أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالوهاب خضر - الجزء الثانى من تقرير الحزب:: حزب التجمع يكشف المخططات الامريكية والاسرائيلية والراسمالية المتوحشة ويضع خطة للمواجهة















المزيد.....



الجزء الثانى من تقرير الحزب:: حزب التجمع يكشف المخططات الامريكية والاسرائيلية والراسمالية المتوحشة ويضع خطة للمواجهة


عبدالوهاب خضر

الحوار المتمدن-العدد: 574 - 2003 / 8 / 28 - 04:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


الجزء الثانى من تقرير الحزب::
حزب التجمع يكشف المخططات الامريكية والاسرائيلية والراسمالية المتوحشة ويضع خطة للمواجهة0

عبدالوهاب خضر:

نشرنا على موقع الحوار المتمدن امس الاربعاء 27/8   الجزء الاول من مشروع التقرير السياسى الجديد لحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى المصرى الذى اتهم فية النظام الحاكم فى مصر بالفساد وانة المسئول عن كل الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية فى مصر وفى هذا الجزء الثانى والثالث نعرض موقف الحزب من القضايا الخارجية ::

التطورات العربية والاقليمية والدولية
إذا كانت الثمانينات وبداية التسعينات قد شهدت سيطرة " العولمة " ـ وهى  ظاهرة موضوعية ـ بجوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاعلامية على الساحة العالمية ، وتحولها إلى هيمنة ومحاولة "أمركة " العالم ، واكتشاف الارتباط بين العولمة والجريمة المنظمة ( المافيا ) ، وآثارها السلبية على دول الجنوب ، واتساع الفارق بين أجور الأغنياء والفقراء فى العالم ، ومعاناة الطبقات الفقيرة والوسطى فى الدول الرأسمالية الكبرى من تزايد الفقر والبطالة بعد تخلى حكوماتها عن شبكات الضمان والرعاية الاجتماعية وبرامج مساعدة الفقراء .. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية بروز مايمكن أن نسميه بـ  "العولمة المضادة " التى تدافع عن حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وترفض استغلال الشمال للجنوب وسيطرة الشركات متعددة الجنسية على الاقتصاد العالمى والدور الذى تلعبه المؤسسات المالية الدولية فى الاقتصاد العالمى ( صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية ) ، وتقاوم النزعة الامبراطورية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية.
كانت البداية ونقطة التحول فى " سياتل " . وفوجئ المؤتمرون بانفجار مظاهرات صاخبة ضد العولمة نجحت فى منع وصول الوفود إلى قاعة المؤتمر وتأجيل افتتاحه يوما ، وشارك فى هذه المظاهرات منظمات حقوق الانسان والعمال والنقابات وأحزاب اليسار والعاطلين عن العمل والمهمشين والمدافعين عن المرأة وحماية البيئة وممثلى الطبقة الوسطى ورجال الثقافة والفكر فى المجتمع الأمريكى ، بالاضافة إلى عدد من المنظمات غير الحكومية فى أوربا وكندا . واستخدمت هذه المنظمات سلاح الانترنت فى تنظيم هذه المظاهرات التى كانت " بداية التمرد العالمى لضحايا العولمة ".
بعد سياتل شهدت واشنطون يومى 16 و17 أبريل عام 2000 تظاهرات شارك فيها أكثر من عشرة آلاف متظاهر بمناسبة الاجتماع السنوى لصندوق النقد والبنك الدوليين ، طالبت بالغاء ديون الدول الفقيرة وعدم تمويل مشاريع مضرة بالبيئة والحد من ظاهرة البطالة فى العالم وخصوصا فى الولايات المتحدة . وكما قال مسئول فى البنك الدولى " تظاهر المحتجون ضد العولمة ..  لكن احتجاجاتهم كانت معولمة ومستفيدة من وسائلها التقنية والاعلامية ".
وشهدت هافانا مظاهرة من نوع آخر ضد العولمة . فعقدت 133 دولة فى منتصف ابريل 2000 قمة ال 77 حيث أكدت " ضرورة مشاركة بلدان الجنوب فى صياغة نظام عالمى جديد يتيح تحقيق العدالة والمساواة ، ويردم الهوة بين الأغنياء والفقراء فى العالم " وطالبت القمة الدول الصناعية والمؤسسات المالية الدولية التى تتركز فى دول الشمال بإتخاذ " سلسلة من الإجراءات العاجلة الكفيلة بالقضاء على الجوع والأمية والفقر والمرض فى العالم الثالث " ودعا الزعيم الكوبى فيديل كاسترو إلى هدم صندوق النقد الدولى وإلغاء ديون الدول النامية " ووصف نظام العولمة بأنه " شكل من أشكال التمييز العنصرى يفرض على ملايين البشر العيش فى فقر ".
وفى فرنسا تجمع فى 30 يونيو 20 ألف متظاهر لاعلان تضامنهم مع " جوزيه بوفيه " المزارع الفرنسى الذى كان يحاكم فى مدينة " ميو " مع عدد من المزارعين المناهضين للعولمة والذين منعوا فى 12 أغسطس 1999 إقامة مطعم " ماكدونالدز" الأمريكى ردا على الرسوم الجمركية العالمية التى فرضتها واشنطون على الجبنة " الروكفور " الفرنسية،( وقد حكم على بوفيه بالسجن ).
ونجح آلاف المتظاهرين الرافضين للعولمة الذين يتهمون المنظمات المالية والتجارية العالمية بالعمل لصالح الأغنياء على حساب الفقراء فى تأخير اجتماعات المنتدى الاقتصادى العالمى التى تستضيفها مدينة ملبورن الاسترالية . وشارك فى المظاهرات جماعات من النقابيين اليساريين واتحادات طلابيه والتروتسكيين.
وتعرضت اجتماعات " المنتدى الاقتصادى العالمى " فى " ديفوس " لمظاهرات مماثلة أدت إلى عقد دورته عام 2001 فى حماية آلاف من رجال الشرطة ومنع توجه المتظاهرين الى المدينة.
قبلها ـ وفى " براغ " عاصمة التشيك ـ تظاهر الآلاف أمام مركز المؤتمرات اثناء افتتاح اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين على مستوى وزراء المال والاقتصاد يوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2000 ونظم هذه التظاهرة "إئتلاف المبادرة ضد العولمة الاقتصادية " . وخاض المتظاهرون ضد العولمة معارك ضارية مع رجال مكافحة الشغب فى " سيول " العاصمة الكورية الجنوبية يوم الجمعة 20 أكتوبر . شارك فيها 20 ألف اصدروا بيانا ضد العولمة و" إعادة الهيكلة الاقتصادية .. التى يدفع ثمنها باهظا العمال والمواطنون فى الدول الفقيرة  وتقضى على مستوى معيشة العمال وحقوق الانسان وتؤدى الى تدمير البيئة" ، وشارك فى الاحتجاجات التى إنطلقت بمناسبة القمة الأوروبية الأسيوية ، طلاب ونقابيون ومدافعون عن حقوق الانسان . وشهدت واشنطون ونيويورك المسيرة التى شارك فيها عشرة آلاف امرأة " مسيرة النساء العالمية ضد الفقر والعنف " فى 17 أكتوبر 2000، حيث قدمن الى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمسئولين فى صندوق النقد والبنك الدولى وثيقة موقعة من أربعة ملايين وسبعمائة ألف إمرأة ورجل فى أنحاء العالم تقول .. " إن نموذج التقنية الشائع الآن والذى يعممه البنك الدولى وصندوق النقد الدولى قد أدى الى استبعاد الملايين والحاق شتى المظالم بهم .." وطالبت الوثيقة بـ " وقف سياسات التكيف الهيكلى القائمة على الخصخصة وتخفيض عملة البلاد الفقيرة وإلغاء برامج الرعاية الاجتماعية وإطلاق حرية الأسواق وانسحاب الدولة من ميدان الخدمات .."
وفى باريس التقى 1500 باحث ومناضل سياسى ونقابى من خمسين بلدا للمشاركة فى المؤتمر الذى عقد بمناسبة مرور عام على " سياتل " تحت شعار " من أجل بناء مواطنة عالمية " وهدفه " بناء جبهة عالمية واسعة ضد العولمة وآثارها .
والتقى فى " بورتواليجرى " بالبرازيل 2700 من كبار المثقفين والنقابيين وخبراء الاقتصاد والناشطين الاجتماعيين وأعضاء فى منظمات غير حكومية فى " المنتدى الاجتماعى العالمى " الذى عقد فى نهاية شهر يناير 2001 مواكبا للمنتدى الاقتصادى العالمى فى ديفوس ، لمناقشة قضايا العولمة وانعكاساتها الضارة على الانسانية وبدائلها المتاحة .
وقد أدت هذه التحركات الجماهيرية والنخبوية - والرسمية  أحيانا - إلى بروز " عولمة مضادة " أجبرت حتى الدول الكبرى واصحاب نظريات العولمة والهيمنة للإعتراف علنا بمثالب وسلبيات  "عولمتهم " الرأسمالية .
وفى الفترة من 31 يناير الى 5 فبراير 2002 عقد " المنتدى الاجتماعى العالمى " دورته الثانية فى بورتو اليجرى ( البرازيل) وكان قد ولد فى يناير 2001 على يد حزب العمال الحاكم فى ولاية  "ديوجراند سول " ، والذى تولى حكم البرازيل كلها فى الانتخابات الأخيرة .
وإختتم المنتدى أعماله بسلسلة من القرارات اختار لها عنوان " المقاومة لليبرالية الجديدة وللحرب والعسكرة ومن أجل السلام والعدل الاجتماعى ".
وكان واضحا فى هذه الوثيقة أن المنتدى قد انتقل من رفض هذا العالم الموحش الى وضع اقتراحات ملموسة من أجل عالم آخر ممكن ووضع برنامج للتحرك فى عامى 2002 و2003 .
وكان طبيعيا أن تختلف الصورة تماما فى بورتواليجرى 2003 التى شهدت انعقاد المؤتمر الثالث للمنتدى الاجتماعى العالمى والذى شارك فيه 100 ألف شخص من 157 دولة . فالقادمون خليط من أعضاء منظمات حقوق الانسان والمرأة والبيئة ، والمنظمات المناهضة للعولمة وأهمها منظمة " أتاك " ونقابيين ، ومنتمين إلى أحزاب يسارية اشتراكية وشيوعية . وافتتح المؤتمرفى نفس يوم افتتاح مؤتمر دافوس ، ليبحث الاثار الضارة للوصفات الاقتصادية الجامدة التى فرضتها المؤسسات المالية الدولية  "صندوق النقد الدولى والبنك الدولى" على بلدان العالم الثالث المدينة والمعروفة بسياسة التثبيت والتكيف الهيكلى والتى طبقت فى مصر على سبيل المثال منذ عام 1990 وحتى الآن وأدت الى تعمق الأزمة الهيكلية كما حدث فى كل بلاد العالم التى أجبرت على اتباع هذه السياسة.
ورغم أن هناك إتفاق على أن العولمة كظاهرة موضوعية نتجت فى جانب منها عن الثورة العلمية التكنولوجية وثورة الاتصالات المعلوماتية وماأدخلته من تغير على العلاقات الاقتصادية ، إلا أن استخدام الولايات المتحدة والدول الراسمالية الكبرى والشركات متعددة الجنسية العملاقة لأدوات العولمة أدى إلى نتائج مأساوية.
فمن الناحية الاقتصادية والاجتماعية إتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء على مستوى كل دولة ، والأخطر على المستوى العالمى . فى سبعينيات القرن الماضى كانت هذه الهوة بين أغنى 20% من السكان وأفقر 20% منهم تقدر بثلاثين ضعفا ، ولكنها صارت 74 ضعفا فى عام 2001 . وتقول د.مامفيلا دامفيلى العضو المنتدب للبنك الدولى أن 80% من ثروة العالم لاتزال فى أيدى 20% فقط من سكان العالم وهو مايتسبب فى إيجاد عدم التوافق وعدم العدالة والعنف . وتلاحظ منظمة أتاك أن التحويلات الراسمالية قصيرة الأجل من مضاربة إلى قروض .. إلخ تمشى بين الأسواق آمنة مطمئنة لايحكمها سوى البحث عن الربح حتى لو أدى ذلك إلى انهيار اقتصاديات كاملة". ويقول مفكر اقتصادى أمريكى حائز على جائزة نوبل ، أن المعضلة الماثلة الآن وربما فى المستقبل تتركز فى سياسة وبرامج المؤسسات الدولية خصوصا صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية . فهذه المؤسسات العالمية الكبرى تتولى بطريقة أو أخرى التحكم بمجمل الفعاليات والنشاطات الاقتصادية .. وتتبع منهجا ايديولوجيا يقوم على تقديس السوق ، وجعل هذه الأيديولوجية مرجعا نظريا وعمليا للقرارات المتخذة .. وخروج هذه المؤسسات عن أهدافها الأصلية والتفويض الممنوح لها وشروعها بالتدخل فى رسم وتغيير السياسة الاقتصادية للعديد من البلدان النامية واتخاذها مواقف منحازة للبلدان الرأسمالية الكبرى إزاء المشكلات الاقتصادية الدولية .
ويضيف د.جودة عبد الخالق أن بيع القطاع العام للخاص ( الخصخصة ) وتحرير التجارة وفتح الأسواق الوطنية لبضائع الأجنبية وتقليص دور الحكومة فى الاقتصاد الوطنى أدى إلى تعثر القطاع الخاص فى الدول النامية حيث يعتمد على الدعم الذى تقدمه الحكومة .. وأن الفاصل بين الأغنياء والفقراء إزداد إتساعا بسبب تأليه السوق وتقلص دور الدولة .
ويكشف صندوق النقد والبنك الدوليان أن الحواجز التجارية التى تقيمها الدول الغنية تستنفذ  مبلغ 650 مليار دولار من الممكن فى حال سقوط الحواجز استخدامه لتحسين معيشة الملايين فى مختلف أنحاء العالم . ويضيف التقرير أن أكبر الضرر ينتج عن الدعم المالى للمنتجات الزراعية والمنسوجات التى تتبعها كندا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى واليابان ، والرسوم الجمركية عليها .. وأن القيود التى تفرضها الدول الغنية على تجارة المنسوجات والملبوسات حالت دون توفير أكثر من 20 مليون فرصة عمل فى الدول النامية . ويؤكد البنك الدولى أن الدول الأوروبية والأمريكية ترصد نحو 300 مليار دولار سنويا لدعم القطاع الزراعى بها مما يؤدى إلى التأثير فى أسعار المنتجات الزراعية عالميا وتقويض كل جهود الدول النامة فى زيادة حجم صادراتها الزراعية والحيوانية إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية وأن الغاء هذه السياسات يؤدى إلى زيادة حركة التجارة العالمية فى المجال الزراعى والغذائى بنسبة 17%.
وهناك إرتباط بين هذه العولمة الاقتصادية والهيمنة الأمريكية وبين عسكرة العولمة . فكما يقول عضو البرلمان السويسرى والأستاذ الجامعى جان زيجلر .." فالدور الذى تلعبه الامبراطورية الأمريكية وقوتها العسكرية والأيديولوجية الجديدة الفوق ليبرالية تتحول إلى سلاح فتاك يغزو المجتمعات .. وأسياد رأس المال تجاهلوا المنظمات الدولية والاقليمية القائمة وراهنوا على القوة العسكرية الأمريكية .."
ويعترف كاتب أمريكى فى النيويورك تايمز أن " يد السوق غير المرئية لايمكن أن تعمل دون قبضة مرئية .. ماكدونالدز لايمكن أن يتوسع بدون ماكدونالد دوجلاس صانع طائرات إف 15. والقبضة المسئولة عن الأمن العالمى لتكنولوجيا سيليكون فالى إسمها الجيش والطيران والقوة البحرية للولايات المتحدة الأمريكية .." إن العولمة الاقتصادية والثقافية تعتمد تماما على القوة العسكرية الأمريكية والتى اصبحت مطلقة بعد غياب الاتحاد السوفيتى.
أمريكا الامبراطورية
     وقد أكدت الولايات المتحدة سياستها القائمة على القوة العسكرية واستخدام هذه القوة فى العالم كله فى فرض هيمنتها ، دون اهمال الأسلحة الأخرى ، الاقتصادية والسياسية والاعلامية والثقافية . ويمكن تلخيص السياسة الأمريكية الخارجية فى ظل هيمنة " مقاتلى مرحلة الحرب الباردة " على الإدارة الأمريكية و رئاسة جورج بوش ( الابن) أو مايسمون بالصقور أو رجال " الصهيونية المسيحية " من امثال ديك تشينى ورامسفيلد وبول وولفوفيتز وكوندوليزا رايس ، بأنها سياسة امبراطورية . يقول ريتشاردهاس عضو مجلس الأمن القومى الأمريكى ومدير التخطيط السياسى فى وزارة الخارجية " كى تنجح الولايات المتحدة فى هدفها بتحقيق السيطرة العالمية ، سيكون من الضرورى على الأمريكيين إعادة التفكير بدورهم ليس فى إطار " الدولة ـ الأمة " بل فى سياق قوة امبراطورية معينة تؤثر على العلاقات بين الدول وداخل هذه الدول " . ويصف أحد اساتذة العلوم السياسية فى جامعة هافارد هذه السياسة قائلا " امبراطورية القرن الحادى والعشرين هى إختراع جديد فى علم السياسة إنها هيمنة عالمية تستند إلى الأسواق الحرة وحقوق الانسان والديمقراطية بحراسة قوة عسكرية مرعبة لم يعرف العالم مثيلا لها ".
وتطرح هذه السياسة الامبراطورية فى الولايات المتحدة تحت إسم مبدأ بوش ، الذى يقوم على منع أى دولة أو قوة فى العالم من منافسة الولايات المتحدة عسكريا أو اقتصاديا " فالعالم كله ساحة معركة يجب أن تكون فيها الولايات المتحدة مستعدة للذهاب إلى أى مكان ، وشن الحروب الاستباقية لتغيير الأطر والهياكل والأنظمة التى تعترض المصلحة الامبراطورية العليا . كما أنه لاتفاوض حول العدالة الأمريكية المطلقة ". وفى هذا الإطار فقد إرتفع الانفاق العسكرى العالمى عام 2002 بنسبة 6% نتيجة لزيادة المجهود العسكرى الأمريكى فى ظل إدارة الرئيس بوش . وطبقا لتقرير معهد استكهولم الدولى لدراسات السلام فقد إرتفع الانفاق العسكرى للعام الرابع على التوالى ليصل هذا العام إلى 794 مليار دولار . ومقارنة الانفاق العالمى على السلاح الآن بعام 1998 يوضح حدوث زيادة بنسبة 14% وقد ساهمت الولايات المتحدة وحدها بثلاثة أرباع هذه الزيادة عام 2002 حيث إرتفع انفاقها العسكرى بنسبة 10% خلال عام واحد (2002) ويشكل انفاق الولايات المتحدة العسكرى 43% من إجمالى الانفاق العسكرى .
وقد استخدمت الولايات المتحدة قوتها العسكرية فى فرض هذه الهيمنة خمس مرات . ثلاثة منها فى ظل رئاسة كلينتون .
_ فى 20 أغسطس 1998 أعلن الرئيس الأمريكى بيل كلينتون أنه أمر القوات الأمريكية المسلحة  "بضرب منشآت تابعة للارهابيين فى أفغانستان والسودان بسبب التهديد الذى يشكلونه لأمننا الوطنى . لقد قلت مرارا فى السابق أن الارهاب يشكل واحدا من أهم المخاطر فى هذه الحقبة . وقد رأينا عقليته الملتوية الأسبوع الماضى فى تفجير السفارتين" مشيرا إلى تفجير السفارتين الأمريكيتين فى دار السلام ونيروبى فى 17 أغسطس . وأضاف وليام كوهين وزير الدفاع الأمريكى وهنرى شيلتون رئيس الأركان أن الضربات الأمريكية استهدفت مصنعا لانتاج الأسلحة الكيماوية فى الخرطوم وست مواقع أفغانية ( قاعدة عسكرية وقاعدة لوجستيه وأربعة معسكرات تدريب ) تشكل قاعدة عمليات لشبكة ارهابية يديرها اسامة بن لادن . وتبين أن المصنع الذى تم قذفه فى الخرطوم هو مصنع الشفاء للأدوية البشرية والبيطرية . وكشفت الولايات المتحدة بهذه العملية العسكرية المزدوجة ممارستها لارهاب الدولة . فقد رفضت من قبل عقد مؤتمر دولى لمكافحة الارهاب ، ورفضت اعتبار العمليات الارهابية ضمن الجريمة المنظمة ، ورفضت التصديق على قانون "المحكمة الجنائية الدولية" .. أى أنها وقفت بقوة ضد التصدى للارهاب على المستوى الدولى ، ثم تصرفت بصورة منفردة ، بما أشار بوضوح إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى لتأكيد أن الولايات المتحدة هى القوة الوحيدة فى العالم ، وأنها مطلقة السراح فى الساحة الدولية طبقا لمصالحها ، وبصرف النظر عن القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة .
- شنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة من الغارات الجوية والصاروخية على العراق فى الفترة من 17 ديسمبر إلى 20 ديسمبر 1998، استهدفت طبقا لوزارة الدفاع الأمريكية 97 موقعا للأسلحة والاستخبارات العسكرية . وأعلنت الإدارة الأمريكية  أن هذه الضربة العسكرية هى المرحلة الأولى من خطة عسكرية تتألف من ثلاث مراحل ، وأن هذه الخطة وضعت منذ فبراير 1998 وتأجل تنفيذها إلى ديسمبر ، وتشكل المرحلة الثانية قصف البنى التحتية بما فيها قصور الرئاسة والجسور ومواقع وأهداف عسكرية حساسة حول بغداد "وسيشرع فى تنفيذها فى أى وقت " ، والمرحلة الثالثة تشمل ضرب قوات الحماية التابعة للرئيس العراقى ولكبار المسئولين فى بغداد ، وأن هذه المراحل الثلاثة أجزاء من " استراتيجية " الاحتواء للعراق " التى أعلنها بيل كلينتون وتونى بلير.
- فى 24 مارس 1999 شن حلف الأطلنطى بزعامة الولايات المتحدة حربا جوية وبحرية ضد الاتحاد اليوغسلافى الذى كان يضم جمهورية صربيا ( بما فيها كوسوفو ) وجمهورية الجبل الأسود. ورغم أن الحرب الأمريكية لها تبريرها فى سياسات "  سلوبودان ميلوسيفتش " القومية المتعصبة ضد الكروات والألبان والمسلمين والمسيحيين الأرثوكس والكاثوليك وهو ما أدى الى خروج سلوفانيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك من الاتحاد اليوغسلافى ، فقد كان للولايات المتحدة وحلف الأطلنطى أهدافا أخرى . فقد غير حلف الأطلنطى عشية احتفاله فى واشنطون بالعيد الخمسين لتأسيسه من عقيدته وتبنى استراتيجية جديدة تقوم على حصر التهديدات الموجهة للحلف _ بعد انتهاء الحرب الباردة _ فى الدول " المارقة" والجماعات المتطرفة وحتى الأفراد ، إذا إقترن هذا التهديد بوجود أسلحة بيولوجية أو كيماوية. ومسرح العمليات طبقا لهذه الاستراتيجية هو فى الأساس جنوب أوربا بما فى ذلك البلقان ، وصولا إلى الضفة الأخرى من المتوسط. وتتراوح مهام الحلف بين " الاحتواء" و" الردع "و" ضبط إنتشار أسلحة الدمار الشامل".وتدخل قضايا حفظ "السلام" وضبط النزاعات العرقية والاغاثة فى صلب المهمات الجديدة للحلف . وتأتى قضية كوسوفو ويوغسلافيا _ من وجهة النظر الأمريكية _ ضرورة لترتيب الأوضاع فى أوربا الشرقية بشكل ينسجم أكثر مع المصالح الأمريكية الآنية والبعيدة، فيوغسلافيا كانت وماتزال حتى ذلك الحين بعيدة عن السياسات الأطلنطية وقريبة من روسيا والتى كانت تمثل خطرا على المصالح الأوربية والأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة تسعى بهذه الحرب أيضا إلى إعلان بداية إنهاء دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن والشرعية الدولية ، واستبدالها بشرعية جديدة أمريكية ( أطلنطية ).
وبتولى بوش السلطة ، وخاصة بعد 11 سبتمبر 2001 ، اتخذ العمل العسكرى الأمريكى شكل الغزو والاحتلال العسكرى المباشر . فبدأت الولايات المتحدة _ وتحت ستار محاربة الارهاب وتوجيه ضربة للقاعدة وحكم طالبان الذى يقدم الحماية لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن بإعتبار مسئولية القاعدة عن تدمير برجى مركز التجارة العالمى وضرب البنتاجون _ فى قصف أفغانستان اعتبارا من 7 أكتوبر 2001 . وكان واضحا أن أهداف هذه الحرب بين أقوى وأغنى دولة فى العالم وأضعف وأفقر دولة ،هى استعادة هيبة أمريكا التى إهتزت بشدة فى العالم وفى الداخل الأمريكى بعد تفجيرات 11 سبتمبر ، وتأكيد الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية ، ومنع بروز أى قطب آخر إلى جانبها خاصة أوربا التى تحاول بناء نفسها كقطب مستقل قادر على منافسة القطب الأمريكى فى المستقبل ، وفى نفس الوقت التواجد العسكرى المباشر فى آسيا الوسطى على حدود الجمهوريات الأسيوية السوفيتية السابقة ( طاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان ) ، وإيران والصين وباكستان والهند ، وتحجيم الدور الروسى والايرانى فى المنطقة ، والتحكم فى طريق تدفق بترول وغاز بحر قزوين للعالم  الخارجى ، لتضع يدها بذلك على أهم الاحتياطات البترولية فى العالم ( عدا العراق وإيران ).
ولم تترك الولايات المتحدة أى شك فى أن حملتها العسكرية لن تقف عند حدود أفغانستان . فأبلغت الإدارة الأمريكية مجلس الأمن بعد بدء عدوانها على أفغانستان ، أنها قد توجه ضربات عسكرية لدول ومجموعات أخرى غير أفغانستان وتنظيم القاعدة .. " فإذا ثبت أن هناك دولا ومنظمات أخرى شاركت فى الهجمات فإن الولايات المتحدة ستوجه ضربات عسكرية لها ".
_ فى 20 مارس 2003 بدأت الولايات المتحدة  غزو العراق وإحتلاله ، وأعلن جورج بوش " فى هذه الساعة بدأت القوات الأمريكية وقوات التحالف المراحل الأولى للعمليات العسكرية لنزع أسلحة العراق وتحرير شعبه والدفاع عن العالم فى وجه خطر كبير .." واتفق المحللون على أن لدى الولايات المتحدة مجموعة من الأسباب والأهداف المترابطة ، سواء ماتعلق منها بالعراق أو الساحة الاقليمية أو الدولية .
_ عراقيا تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة حكومة تابعة لها فى العراق ، وتدمير مابقى من قدراتها العسكرية والاقتصادية والبشرية بعد حرب الخليج الثانية و12 عاما من الحصار وضرب دفاعاتها الجوية . وفى نفس الوقت الاستيلاء على بترول العراق،( والعراق يملك ثانى اكبر احتياطى عالمى من البترول بعد السعودية) ، وإستكمال السيطرة على بترول المنطقة ( الخليج وبحر قزوين ) حيث يوجد 63% من مخزون البترول العالمى.
إقليميا توفير الأمن المطلق لإسرائيل بعد إخراج العراق من معادلة القوة العربية ، وسبق إخراج مصر باتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح بين السادات وبيجن . ومصر والعراق هما أكبر دولتين عربيتين سياسيا وعسكريا . وبالتالى فتح الباب أمام إسرائيل لتصبح دولة كبرى إقليمية مسيطرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا على كل دول المنطقة . وإسرائيل حاليا هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تحتكر السلاح النووى ، وتملك تفوقا مطلقا فى أسلحة الدمار الشامل والصواريخ والأسلحة التقليدية ، وتحتل كل الأراضى الفلسطينية وتمارس القمع والإبادة وإرهاب الدولة . وليس صدفة أن الإدارة الأمريكية منحت شارون مع بدء الحرب 10 مليار دولار منحا وضمانات قروض تعويضا عن ما أسمته خسائره فى الحرب.  وكما قالت الاذاعة العبرية فى إسرائيل فقد أوفى الرئيس الأمريكى بتعهده لشارون وأشعره بموعد العدوان قبل توجيه الضربة العسكرية الأولى . وحرصت الإدارة الأمريكية على إبلاغ إسرائيل أنها بدأت عملياتها العسكرية غرب العراق فى المنطقة التى أطلق العراق منها صواريخ سكود على إسرائيل إبان حرب الخليج الثانية عام 1991.
ومن ضمن الأهداف الاقليمية أيضا إنهاء دور العراق فى تقديم المساعدات لدول المنطقة والتى كانت تقدر بما يتجاوز المساعدات الأمريكية والأوربية لهذه الدول باستثناء إسرائيل . فالعراق كان يزود الأردن بنصف إحتياجاته البترولية مجانا ، ويتم تهريب كميات كبيرة من النفط عبر تركيا وإيران بأسعار منخفضة على السعر العالمى ، وعقدت العراق سلسلة من اتفاقات التجارة الحرة مع دول عربية عديدة . واعتبرت الإدارة الأمريكية هذه المساعدات العراقية تهديدا للنفوذ الاقتصادى الأمريكى فى المنطقة .
واستكمال السيطرة الأمريكية على المنطقة والحيلولة دون نشوء محور سورى إيرانى عراقى فى المستقبل ، وتأمين القواعد العسكرية الأمريكية البحرية والبرية والجوية فى الخليج.
وفى نفس الوقت تهديد سوريا وإيران . فسوريا مرشحة لتكون المحطة الثانية للعدوان فى المنطقة العربية  "علما أن الحملة ضدها بدأت منذ فترة فهى المحطة الأخيرة فى تحييد الدول العربية المحيطة بإسرائيل ، أوالتى شكلت إستراتيجيا خطرا كبيرا على إسرائيل مثل العراق "  مصر حيدت بإتفاقية كامب ديفيد ، والأردن كافراز لاتفاقات أوسلو ، والعراق باجتياح وإحتلال أمريكى ، ولم يبق سوى سوريا ولبنان ". وتراهن الولايات المتحدة على أن سقوط حزب البعث فى العراق سيضعف بالضرورة حكم البعث فى سوريا .
أما إيران التى تواجد  إحتلال أمريكى على حدودها مع العراق التى تمتد  700 ميل ، فسوف تواجه بضغوط أمريكية " إن لم يكن بالاجتياح والحسم العسكرى " . وهناك حملة على إيران بمقولة إمتلاكها لأسلحة نووية ، وهى أحد دول " محور الشر" الثلاثة فى المنظور الأمريكى .
والهدف النهائى إقليميا هو إعادة رسم خريطة المنطقة ونظم الحكم فيها لتحقيق المصالح الاستعمارية للولايات المتحدة وإسرائيل .
أما على الساحة الدولية فالإدارة الأمريكية تريد تأكيد هيمنتها على العالم وسيادة نظام القطب الواحد ، ومنع بروز أى قطب سياسى أو اقتصادى آخر ، وفرض" سلام " أمريكى على العالم . وعلى هذا الطريق وجهت الإدارة الأمريكية ضربات موجعة للأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديدا ، واصابت حلف الأطلنطى بشبه إنهيار  بعد أن كان هو حجر الأساس للتحالف الغربى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وبدأت دول كفرنسا وألمانيا وبلجيكا تتحرك لتشكيل قوة أوروبية مشتركة ، وتعرض ومايزال الاتحاد الأوربى لأزمة خطيرة .
وتسعى الولايات المتحدة لاستخدام إحتلالها للعراق وسيطرتها على بترول الشرق الأوسط كله للضغط على أوربا التى تعتمد على هذا البترول ، وفى نفس الوقت إلغاء كافة العقود الخاصة بالبترول التى وقعها النظام العراقى مع فرنسا وروسيا .
تبقى الأهداف المحلية ( الأمريكية ) لهذه الغزوة ، وفى مقدمتها إخراج الاقتصاد الأمريكى من أزمته عن طريق انعاش المجمع الصناعى العسكرى ، واستغلال البترول العراقى فى دفع تكاليف الحرب والاحتلال الأمريكى للعراق ، واحتكار عقود تعمير العراق بعد الحرب . وتقول صحيفة " وول ستريت جورنال " الأمريكية أن الإدارة "أعدت خطة تفصيلية تضم أكثر من 100 صفحة من الوثائق السرية الخاصة بعقود تنفيذ المشروعات المستقبلية . وخصصت الخطة عقود إعمار العراق لشركات أمريكية" ويراهن بوش أن تحقيق انتصار فى العراق سيحمله للبيت الأبيض ثانية عام 2004.
الديمقراطية ومنطقة التجارة الحرة
 * وإلى جانب العمل العسكرى المباشر فقد استخدمت إدارة الرئيس بوش الأسلحة الاقتصادية والسياسية والثقافية فى تحقيق أهدافها . ومن المهم التوقف أمام تحركين هامين فى المنطقة.
- فى 12 ديسمبر من العام الماضى أعلن كولين باول ماسمى بـ " مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط " والتى اشتهرت بمبادرة كولين باول . قال كولين باول " إن الوقت قد حان لإرساء أسس  الأمل.. وأن الولايات المتحدة تريد أن تربط نفسها بشعوب الشرق الأوسط ، وأن تتحرك من أجل تحقيق أمالهم ، الأمل فى السلام ، الأمل فى حياة أفضل للأطفال فى الشرق الأوسط .. ومن أجل ذلك أعلن اليوم مبادرة تضع الولايات المتحدة بقوة إلى جانب التغيير والاصلاح ، وإلى جانب مستقبل حديث للشرق الأوسط ، إلى جانب الأمل " . وأضاف أن هناك " ثلاثة أعمدة تقوم على المبادرة .. سنعمل مع القطاع الخاص والعام لتحقيق الاصلاح الاقتصادى ، والاستثمارات وتطوير القطاع الخاص .. وسنشارك مع قادة المجتمع لإغلاق فجوة الحريات بمشاريع تقوى المجتمع المدنى ، وتعميم المشاركة السياسية ورفع اصوات النساء .. وسنعمل مع الآباء والمعلمين لنعبر فجوة المعلومات عن طريق مدارس أفضل وفرص أكبر للتعليم العالى ". وأوضح  كولين باول أن الإدارة الأمريكية ستعمل مع الحكومات لوضع قواعد اقتصادية ونظم تجذب الاستثمارات الأجنبية وتسمح للقطاع الخاص بالنمو والانتعاش ، وسنساعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة . وكخطوة أولى سنؤسس صندوق على غرار الصندوق الأمريكى البولندى لدعم المشروعات ".
واصدر مكتب المتحدث الرسمى بإسم الخارجية الأمريكية فى نفس اليوم الذى ألقى فيه باول خطابه (الخميس 12 ديسمبر) 2002 ورقة معلومات أوضحت جوانب عديدة من هذه المبادرة منها أن هناك اعتمادات إضافية للمساعدات التى تقدمها الولايات المتحدة والتى تتجاوز مليار دولار ( لكل من مصر والأردن واليمن والمغرب والمناطق الفلسطينية ولبنان ) تخصص لهذه المبادرة وتصل إلى 29 مليون دولار هذا العام ، وأن الإدارة ستطلب من الكونجرس زيادتها فى العام المالى القادم ( تم اعتماد 100 مليون دولار) . وأن المبادرة سيتم تنفيذها بالتعاون مع " الحكومات العربية والمانحين الآخرين ، ومؤسسات أكاديمية ، والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية . وكجزء من المبادرة يعاد النظر فى المساعدات الحالية التى تقدمها الحكومة الأمريكية لدول المنطقة لضمان أن تصل هذه المعونات لأكبر عدد ممكن من المواطنين فى المنطقة ، مع تأكيد خاص على النساء والأطفال.
وأعلن كولين باول أن نائبه " ريتشار أرميتاج " سيعمل منسقا للمبادرة.
وأضافت الخارجية أن برنامج العمل سيشمل بالنسبة للتعليم برنامج " المشاركة من أجل التعليم " وسيكون على غرار الورشة التى نظمتها جامعة جورجيا لقادة المنظمات غير الحكومية فى السعودية والكويت واليمن ودولة  الامارات العربية ، وتنفيذ برامج للتعليم فى المدارس الابتدائية والثانوية ، وتقديم منح دراسية للدراسات فى جامعات الولايات المتحدة والجامعات الأمريكية فى المنطقة مع التركيز على حقول الاقتصاد والتعليم وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والعلوم .
وبالنسبة لتقوية المجتمع المدنى فسيتم من خلال صندوق لتنمية الديمقراطية فى الشرق الأوسط وتقديم المساعدات للمنظمات غير الحكومية والأفراد الذين يتمتعون بنظرة سياسة شاملة للاصلاح السياسى ، والمساعدة فى تأسيس مزيد من المنظمات غير الحكومية ومنافذ اعلامية مستقلة ومنظمات الاستطلاعات روابط رجال الأعمال والعقول المركزية . وعمل برامج لتحسين إدارة العملية القضائية ، وتدريب المرشحين لمناصب سياسية وعضوية البرلمان والمواقع الرسمية التى يتم شغلها عن طريق الانتخابات والتدريب على الصحافة المطبوعة والالكترونية.
ويبدو الخداع الأمريكى فى موضوع الديمقراطية واضحا فى رؤيتها للديمقراطية فى العالم العربى . فكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى تقول أن الحكومات الديمقراطية فى الوطن العربى موجودة فى قطر والبحرين والأردن والمغرب ( الدول الملكية ). ويستبعد كولين باول احتمال تغيير الأنظمة العربية الصديقة .. " فالأمر متروك للدول العربية الصديقة لتحديد أشكال التغيير التى تناسبها ".
ومن الواضح أن هناك أسبابا دفعت الادارة الأمريكية لطرح هذه المبادرة الوهمية والتى اعتمدت لها 29 مليون دولار لإنجاز كل هذه الأغراض العديدة ، اقتصادية وديمقراطية وتعليمية .
فجناح الصقور فى الإدارة الأمريكية يرى أن " الأنظمة العربية هى اليوم فى غاية الضعف وبالتالى فهى ناضجة وجاهزة للتعديل والتجديد" .
وبرر مدير التخطيط فى وزارة الخارجية الأمريكية اهتمام بلاده بموضوع الديمقراطية فى المنطقة العربية بأن " أفراد فى هذه المنطقة يشعرون بإغتراب عن بلدانهم ، ولايتمتعون بفرص اقتصادية أو أخرى تتيح لهم المشاركة فى الحياة السياسية . كما أن التحصيل العلمى المتوافر فى وطنهم لايوفر لهم فرص العمل الحقيقية فى العالم العصرى ، هؤلاء الأفراد يصبحون فى بعض الحالات مهيئين لأن يكونوا ارهابيين .. ولابد من التعاون مع الحكومات والأفراد لمساعدتهم تدريجيا على سلوك طريق الديمقراطية ، رغم أن إرساء الديمقراطية فى الكثير من البلاد العربية والاسلامية قد يكون مهمة صعبة"
وتعتبر واشنطون أن غياب الديمقراطية وحرية التعبير فى المنطقة العربية من بين أهم الأسباب التى قادت الى التطرف الذى جسدته أحداث 11 سبتمبر".
وتتصور الإدارة الأمريكية أن الحديث عن الديمقراطية فى هذه المبادرة ردا صحيحا على إنتقادات الرأى العام العربى للولايات المتحدة بأنها تفضل دعم أنظمة استبدادية مؤيدة لأمريكا على تشجيع التطلعات الديمقراطية للشعوب.
ويمكن  تلخيص الأسباب الأمريكية الحقيقية بأن الهدف هو مزيد من التسلل للمجتمعات العربية واختراقها والضغط على حكوماتها لتقبل بشكل كامل بالهيمنة الأمريكية .
- التحرك الثانى جاء بمبادرة من الرئيس جورج بوش عندما اقترح فى 9 مايو الماضى (2003) اقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط عام 2013.
قال بوش أن الشرق الأوسط أمام " فرصة تاريخية . أطيح دكتاتور فى العراق من السلطة . إرهابيو المنطقة يلاقون مصيرهم الآن : حياة غير سعيدة للفارين . الاصلاحيون فى الشرق الأوسط يكسبون نفوذا ودرجة المطالبة بالحرية ترتفع . وصلنا إلى لحظة أمل واعدة وستستخدمها الولايات المتحدة من أجل السلام .."، واضاف " أقترح اقامة منظمة تجارية حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط (23 دولة تشكل مجموع بلدان المنطقة ) خلال عقد من الزمن .. لتوفير أمل لسكان المنطقة من خلال زيادة فرص العمل والتجارة ..". واقر الرئيس الأمريكى فى خطابه أن تحقيق مشروعه مرتبط بتحقيق التسوية السياسية بين العرب والإسرائيليين .." لقد عانت المنطقة من الصراع فى الأرض المقدسة ، ولكن الآن مع تحرير العراق ، ومع قيادة جديدة للشعب الفلسطينى ، ومع جهود قادة مثل الرئيس حسنى مبارك وولى العهد السعودى الأمير عبد الله الأمل بالسلام يتجدد ".
وحددت الإدارة الأمريكية شروطها لقبول إنضمام أى من دول الشرق الأوسط لمنطقة التجارة الحرة مع واشنطون ، وفى مقدمتها إتخاذ حكومات هذه الدول إجراءات كفيلة بتطبيق إصلاحات ضرورية مثل مكافحة الفساد ومقاومة الارهاب وتحسين مناخ الاستثمار وإلغاء أو تخفيض الحواجز الجمركية فى عمليات التجارة والاستثمار مع الشركات الأمريكية والحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية وحماية حقوق الملكية الفكرية ، والديمقراطية وتعديل مناهج التعليم .. الخ.
ويلاحظ أن بوش ركز فى كلمته .. إضافة إلى ما أسماه بالاصلاحات الاقتصادية - على أربعة شروط.
- مقاومة الارهاب بالمفهوم الأمريكى .." فمستقبل السلام يحتم هزيمة الارهاب. لذلك فإن الولايات المتحدة وتحالفا كبيرا من الدول يشنان حرباً عالمية بلا هوادة ضد الارهابيين .. وقد حطمت الولايات المتحدة الارهابيين الذين كانت أفغانستان تأويهم .. وواجهت فى العراق نظاما ساعد الارهابيين ، سلح نفسه بأسلحة الدمار الشامل ليهدد السلام وإضطهد مواطنيه، واليوم هذا النظام لم يعد موجودا " وتعتبر الولايات المتحدة منظمات المقاومة للإحتلال فى فلسطين ولبنان منظمات ارهابية ، ولاتعتبر ارهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى واحتكارها للسلاح النووى والترسانة التى تملكها من أسلحة الدمار الشامل الكيماوى والبيولوجى ، ارهابا وتهديدا للسلام فى المنطقة .
-  اقامة أنظمة حكم ديمقراطية ( طبقا للشروط الأمريكية) .. فنحن " ندعم تطوير الحرية فى الشرق الأوسط لأنها المبدأ الذى تأسسنا عليه ولأنها فى مصلحتنا القومية .. إن أيديولوجية الكراهية التى يعتمدها الارهابيون تنتشر وتقوى فى ظل وجود أنظمة قمعية وتختفى فى الأمم الحرة .. الحرية تقدمت لأنها الطريق لترفع الملايين من الفقراء وتحسن لهم مستوى حياتهم ". وأضاف بوش " الحكومات الحرة لاتصنع أسلحة دمار شامل لغرض اعمال أرهابية شاملة . ومع الوقت يصبح توسيع مدى الحرية عبر بلدان العالم أجمع الضمانة الأفضل للأمن فى شتى أنحاء العالم ".
وحاجة شعوبنا الى الديمقراطية حقيقة لايجادل فيها أحد ، وهى معركة داخلية أساسية فى كل بلد عربى. ولكن لايمكن أن تكون الديمقراطية معلقة على شهادة يصدرها البيت الأبيض أو البنتاجون أو الخارجية الأمريكية طبقا للمصالح الأمريكية والمعايير المزدوجة التى تتبعها ، أو الحديث عن الديمقراطية فى ظل الاحتلال الأجنبى ، أو فى دولة عنصرية.
- تغيير مناهج ونظم التعليم .." وترجمة كتب مدرسية أمريكية الى العربية والتبرع بها الى المدارس فى الدول العربية " ، وهى دعوة تهدف للقضاء على الشخصية والهوية العربية وثقافة التحرر الوطنى وتحويلنا الى مسخ ، وهى عكس ماتدعو اليه القوى الوطنية والديمقراطية المصرية من تحديث التعليم والغاء منهج التلقين ، واعتماد منهج المشاركة والحوار وإعمال العقل النقدى ، والاصلاح الدينى ..
-  وأهم الشروط الأمريكية وأولها هو الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها والتطبيع . فكما يقول بوش ، فعلى الدول العربية " أن تقر وللأبد بحق إسرائيل فى الوجود كدولة يهودية تعيش فى سلام مع جيرانها  والانضمام الى منظمة التجارة العالمية يشترط أن لاتدخل دولة فى سياسة مقاطعة ضد دولة أخرى ، وهذا يعنى وقف سياسة المقاطعة العربية الإسرائيلية".
الغريب أن الولايات المتحدة تقاطع كوبا وتفرض عليها حصارا إقتصاديا منذ 40 عاما ، وأصدرت قانونا مشهورا " قانون داماتو " لمقاطعة كل من يتعامل مع كوبا!
لا .. للهيمنة الأمريكية:
 * وفى مواجهة هذه العولمة والسياسة الامبراطورية الأمريكية، برزت المقاومة فى دول أمريكا الجنوبية والوسطى ، وتحديدا فى فنزويلا والبرازيل والاكوادور.
كانت البداية فى فنزويلا عندما نجح " هوجوشافيز" فى الوصول للسلطة ديمقراطيا فى 2 فبراير 1999 ، بعد انتخابات برلمانية فى نوفمبر 1998 فاز خلالها حزبه بحوالى 30% من مقاعد البرلمان ، تلتها إنتخابات رئاسية فى 6 ديسمبر 1998 حصل شافيز خلالها على 56% من أصوات الناخبين فى أفقر دول أمريكا اللاتينية.
وشافيز يسارى من أصول هى مزيج من الهنود الحمر ( سكان أمريكا الأصليين ) والزنوج القادمين من أفريقيا ، وأعلن خلال معركة إنتخابات الرئاسة أن هدفه " تدمير الليبرالية الجديدة الأمريكية التى أوقعت أمريكا اللاتينية فى فخ التبعية والاعتماد على الولايات المتحدة " وأن ثورته " مضاد حيوى لمكافحة العولمة التى هى وباء عصر الألفية الثالثة ".
وإنحاز بقوة إلى " القوات المسلحة الثورية لكولومبيا " وهى منظمة يسارية مسلحة تضم نحو 17 ألف مقاتل وتخوض حربا أهلية منذ عام 1938 ضد الحكومات اليمينية المختلفة الموالية للولايات المتحدة . وأطلق شافيز دعوة لتوحيد أمريكا اللاتينية ، ودمج الجمهوريات البوليفاريانية الخمس (نسبة إلى سيمور بوليفار محرر أمريكا اللاتينية من الاحتلال الأسبانى بدءا من 1810 ) وهى : فنزويلا وكولومبيا والاكوادور والبيرو وبوليفيا .
وقاد شافيز حملة فى " الأوبك " لتخفيض إنتاج النفط لرفع سعره . وفنزويلا هى رابع أكبر منتج للنفط فى العالم ، وتحتل المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للنفط للولايات المتحدة الأمريكية حيث تزودها بنحو 54ر1 مليون برميل يوميا . ويصل بترولها للولايات المتحدة خلال 5 أو 6 ساعات ، بينما يستغرق وصول البترول العراقى مثلا 45 يوما بالاضافة الى ارتفاع تكاليف نقله.
وإتسمت سياسة شافيز بالتحدى للولايات المتحدة ، فاقام علاقات قوية بكوبا والعراق وليبيا وإيران والصين ، ووجه إنتقادات حادة للسياسة الأمريكية فى أفغانستان ، ووصف الحرب الأمريكية وعمليات القذف الجوى ضد المدنيين الأفغان بالمجزرة ، داعيا إلى " إنهاء قتل الأبرياء فى أفغانستان " ووقف بقوة ضد سياسة بوش فى أمريكا اللاتينية الداعية " لخلق نظام جديد فى نصف الكرة الغربى فى إطار منطقة تجارة حرة تضم شطرى أمريكا " وتحذيرات بوش لكل دول أمريكا اللاتينية " من التمرد على مبادئ الاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة ".
وطرح شافيز برنامجا لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة النفطية وخفض البطالة وتحسين ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية والصحية التى تقدمها الدولة ، ومكافحة الجريمة المستشرية خصوصا فى العاصمة كراكاس .
وخاضت الإدارة الأمريكية بزعامة بوش حربا ضارية ضد شافيز الذى إتهمته بالديماجوجية .
وبينما المعركة مشتعلة بين الفقراء وزعيمهم اليسارى شافيز ، وبين الأغنياء واليمين الموالى لأمريكا ، إذ بالبرازيل تقلب كل الموازين فى أمريكا اللاتينية . ففى 27 أكتوبر أعلن فوز " لويس إيناسيو لولادا سيلفيا" والذى يناديه أنصاره بإسم " لولا" برئاسة البرازيل بعد حصوله على 56% من اصوات الناخبين (51 مليون صوت ) مقابل 34% لمنافسه مرشح الحزب الحاكم خوسيه سيرا .
وداسيلفيا ( لولا) هو رئيس حزب العمل اليسارى الذى تكون عام 1980 من مئات من النقابيين العماليين والمثقفين والماركسيين ، ليصبح الحزب بعد فترة قصيرة من تكوينه أحد أكبر الأحزاب العمالية فى العالم ، وتبلغ عضويته حاليا أكثر من مليون عضو ويتولى الحكم فى 7 ولايات من 24 ولاية . ويعزى اليه الفضل فى تكوين " المنتدى الاجتماعى العالمى " فى " بورتواليجرى" وعقد المؤتمر الأول لمناهضى العولمة فى هذه المدينة التى فاز بمجلسها البلدى أربع مرات متتالية ، ثم قاد الجبهة الشعبية اليسارية للمرة الأولى للفوز فى انتخابات ولاية " ريوجراند دى سول " فى عام 2001 .
وداسيلفيا هو أول رئيس من طبقة العمال فى البرازيل ، بعد أن إحتكر السلطة نخبة صغيرة من الطبقة المالكة الغنية والساسة المحترفين والقادة لعسكريين . وقد بدأ حياته العملية عندما عجز والديه عن دفع مصاريف المدرسة التى تركها فى سن الثانية عشر ليعمل بائعا لجوز الهند والفول السودانى ،ثم عمل ماسحا للأحذية فى شوارع ساوباولو العاصمة الاقتصادية ، قبل أن يعمل فى مصنع للصلب ويكتشف العمل النقابى وينتخب رئيسا لاتحاد نقابات عمال التعدين عام 1975 ، ويقود العديد من الاضرابات والمظاهرات ضد الحكم العسكرى (1964 - 1985).
وقد خاض " لولا " انتخابات الرئاسة ثلاثة مرات فى أعوام 1989 و1994 و1998 وهزم أمام رئيس البرازيل السابق فرناندو وأنريكى كاردوز . ولكنه حق النجاح فى المرة الرابعة ، ليصبح رئيس أكبر دولة فى أمريكا اللاتينية وأكثرها سكانا (170 مليون نسمة) وأقواها اقتصادا وتحتل المركز الثامن بين الدول الصناعية فى العالم .
ويعود هذا النجاح إلى فشل سياسة الليبرالية الجديدة التى طبقت فى البرازيل لمدة 12 عاما . فرغم نجاح السياسة الاقتصادية فى جذب رؤوس الأموال الأجنبية لتصبح البرازيل ثانى أكبر متلقى للاستثمارات المباشرة من بين الأسواق الناشئة فى العالم ، وتخفيض معدل التضخم من 2000% عام 1994 إلى 6% فقط فى الوقت الراهن، فقد بلغت الديون الخارجية للبرازيل 260 مليار دولار ، وأدى خضوع البرازيل لشروط صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتوجيه ضربات قاسية للطبقات الشعبية والوسطى " حيث تدهورت شروط الحياة ومستوى المعيشة واستشرى الفساد وتفاقمت الجريمة والعنف ، وتراجعت الخدمات العامة فى الصحة والتعليم، وعرفت البلاد ظاهرة المعاش المبكر والطرد الجماعى من العمل ، وتخفيض الأجور والحوافز ، ودخل الاقتصاد البرازيلى فى حالة ركود وزادت تبعيته للخارج ، وزادت البطالة ووصلت إلى 20% من قوة العمل ، وتفاقمت عمليات الاستبعاد والتهميش وتركيز الدخل ، وأصبحت البرازيل نموذجا لغياب المساواة الاجتماعية . وطبقا لإحصاءات البنك الدولى يحصل 10% من أغنياء البرازيل على 48% من الدخل القومى ، ويعيش 44% من السكان على اقل من دولارين فى اليوم أى تحت خط الفقر " . وعشية الانتخابات انخفضت العملة البرازيلية  (الريال) إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار ، وهبطت أسعار الأسهم وتهاوت السندات. وصاحب سياسة الانفتاح الاقتصادى قصور شديد فى معدلات التصدير وارتفاع شديد فى حجم الواردات ، وفقدت البرازيل القدرة على المنافسة فى الأسواق الخارجية مما أدى إلى خلل شديد فى الميزان التجارى وارتفاع العجز فى ميزان المدفوعات ( من فائض 4ر15 مليار يورو عام 1992 إلى عجز 4ر8 مليار يورو عام 1997) وارتفاع الدين الداخلى من 30% من الناتج القومى عام 1994 الى 9ر61% عام 2002، وتراجع فى معدلات التنمية .
وانعكس ذلك بشدة على الفلاحين فى ظل احتكار 3% من السكان 60% من الأرض الزراعية (120 مليون هكتار ) ويحرم ملايين الفلاحين من فرصة تملك قطعة صغيرة من أرض لاتجد من يزرعها .
وقد حاول صندوق النقد الدولى مصادرة إحتمالات فوز داسيلفيا فمنح حكومة البرازيل فى شهر أغسطس 2002 _ قبل الانتخابات بشهرين ونصف _ قروضا جديدة بقيمة 30 مليار دولار منها 6 مليارات تحصل عليها خلال السنة الحالية ودعا خبراء " وول ستريت " الناخبين البرازيليين إلى عدم إنتخاب " لولا " وطالب " جورج سورس " المضارب المشهور والمستثمر العالمى واشنطون ان " تحول دون انتخابه " وضرورة تحديد أمريكا مستقبل بلدان العالم اقتصاديا فى ظل العولمة وأن مركز القرار فى واشنطون وليس من حق البرازيلين الاختيار !
ولكن محاولات صندوق النقد الدولى والرأسمالية الطفيلية المتوحشة العالمية والمحلية إنتهت إلى الفشل . ووسط حشد من العمال حاملى الرايات الحمراء أعلن فوز مرشح اليسار . ولم يكن العمال وحدهم وراء لولا ، بل إن قطاعات من الرأسمالية المنتجة وقفت معه ، خاصة فى قطاعات النسيج والأغذية والصلب المتضررة من فتح أسواق البلاد للمنتجات الأمريكية مقابل استمرار السياسات الحمائية للسوق الأمريكية . ووقف مجموعة من العسكريين معه بأمل إعادة الحياة لبرامج التسلح ودعم صناعة الطائرات.
وبعد البرازيل  جاءت مفاجأة الاكوادور عندما إختار الناخبون ( 1ر8 مليون أدلوا باصواتهم من بين 1ر12 مليون ناخب بنسبة 67%) الكولونيل المتقاعد لوتشيو جوتيريز الذى دعمته مجموعات الهنودالحمر والحزب الشيوعى الاكوادورى ، ورفضوا منافسة الفارونوبوا " التاجر الأوسع ثراء فى البلاد وصاحب امبراطورية الموز الذى يشكل الصادرات الأولى للبلاد وحصل لوتشيو الذى يلقب " بشافيز الاكوادور " على نسبة 3ر54% من الأصوات . ليكسب اليسار معركة فى بلد ثالث فى أمريكا اللاتينية.
ورغم أهمية هذه الظاهرة فالتحديات التى تواجهها هذه الحكومات اليسارية فى فنزويلا والبرازيل والاكوادور ليست قليلة ، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية وقوة ونفوذ الولايات المتحدة ، واستماتة الرأسمالية المحلية والعالمية فى الدفاع عن مكاسبها حتى لو ضحت بالديمقراطية التى يربطها البعض بالليبرالية والتحول الرأسمالى ، وفى نفس الوقت فما يزال اليمين يحقق بدوره إنتصارات فى عدد آخر من دول أمريكا اللاتينية . ففى 27 أبريل الماضى فاز المرشح اليمينى الفارو أوريب بمنصب رئيس جمهورية كولومبيا ، وأعلن عزمه على شن حرب شاملة على القوات المسلحة الثورية الكولومبية ، ورحبت الولايات المتحدة بهذا الفوز وأعلنت أنها ستوثق علاقاتها مع الحكومة الجديدة.
والخلاصة أن الحرب مازالت مستمرة بن اليسار واليمين فى أمريكا اللاتينية . ولكن الجديد هو انتصار اليسار فى ثلاث دول ووصوله للحكم بعد انتخابات ديمقراطية حرة.
الاستسلام العربى:
على عكس الصورة فى أمريكا اللاتينية يبدو الاستسلام العربى للهجمة الأمريكية ، والعجز عن صياغة استراتيجية عربية فى مواجهة التحديات الحقيقية الدائمة .. تحدى التخلف الاقتصادى والاجتماعى ، وعجز أقطاره جميعا عن تحقيق تنمية مطردة ، والفشل فى تحقيق تنمية تكاملية تشملها فى مجموعها ، وانخفاض معدلات النمو فى كافة الأقطار العربية بعد انتهاء المرحلة النفطية، وتحول الدول العربية الى دول مدينة، وتعمق التبعية الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية والعلمية للدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة التى ازداد انتشار قواتها العسكرية فى منطقة الخليج والجزيرة العربية بعد حرب الخليج . وتحدى غياب الديمقراطية وخضوع الدول العربية لحكم أنظمة قهرية تقليدية وغير تقليدية ، وتعثر محاولات تحقيق تقدم فى اتجاه الديمقراطية فى أكثر من بلد عربى ، وتصاعد استخدام العنف والارهاب سواء من جانب جماعات طامحة للحكم أو من جانب حكومات متمسكة بالسلطة بما أدى الى تحلل الدولة فى عديد من الحالات واستمرار صراعات عرقية وحروب أهلية تهدد بانقسام أكثر من قطر عربى .. وتحدى إهدار الاستقلال الوطنى وسيادة عديد من الدول العربية على أرضها ومواردها وخضوعها للاحتلال والاحتلال الاستيطانى .. وكذلك فى مواجهة التحديات التى واجهتها فى السنوات الأخيرة التى يتعرض لها هذا التقرير ..
     يبدو هذا العجز العربى مؤشرا بالغ الخطورة بالنسبة للحاضر والمستقبل. وبالنسبة للأمن القومى المصرى والعربى
إحتلال العراق :
- لقد فشل النظام العربى فى التعامل مع التهديد الأمريكى بإستخدام القوة المسلحة ضد العراق ، ثم مع غزو العراق واحتلاله.
قبل الغزو وبعد صمت طويل عقد الرئيس مبارك مؤتمرا صحفيا مفاجئا فى 14 فبراير 2003 أعلن فيه توجيه الدعوة لعقد قمة عربية استثنائية ( طارئة ) يوم السبت 22 فبراير فى شرم الشيخ . وقال الرئيس أن " الآلة العسكرية تستعد بقوة وتستكمل تجهيزاتها حاليا ، وهو مايتطلب منا كعرب عدم القعود دون اتخاذ موقف يعمل على التوصل الى حل سلمى بدلا من الحل العسكرى ..وإذا كنا لانملك إيقاف الآلة العسكرية فمن الضرورى الاتفاق على رأى للتأثير على صانعى القرار ، سواء فى العراق أو فى الولايات المتحدة أو فى أوربا .. إن القمة العادية المقبلة كان مقررا لها أن تعقد فى 25 مارس المقبل ، إلا أنه لايمكن ضمان ماسوف يحدث خلال تلك الفترة .. ان الانتظار لحين وقوع الحرب غير مقبول ، لأن الضرب سيعنى أن المشكلات والأخطار قد بدأت".
وكان واضحا أن هناك عدد من الأسباب تقف وراء الدعوة للقمة منها ..
1-تعبير عدد من الحكومات العربية عن " استيائها وغضبها من ترك مصير الأزمة العراقية والدفع بإتجاه حلها بالطرق السلمية عبر مبادرة تركيا وفى إطار اقليمى وليس عربى من خلال إجتماع يوم 24 يناير لست دول فى اسطنبول " مصر - سوريا - الأردن - السعودية - تركيا - إيران " والدول المشاركة هى مصر وخمس من الدول التى لها حدود مشتركة مع العراق ، بينما تم تجاهل دولة حدودية أخرى هى الكويت.
الخوف من الشارع العربى . فرغم تواضع التعبير عن موقف المواطنين من الاصرار الأمريكى على غزو العراق عسكريا ، ولأسباب مختلفة ، فقد أدركت الحكومات العربية عمق الهوة بينها وبين الشارع


• العربى ، وصعوبة موقفها، والخطر المحدق بها داخليا فى حالة توجيه ضربة عسكرية للعراق ، دون أى تحرك عربى جماعى لمحاولة منع الحرب.
• المظاهرات التى إجتاحت 600 مدينة فى قارات العالم الخمس ضد الحرب ورفضها مبدأ " دم مقابل بترول " الذى تتمسك به إدارة الرئيس بوش . وقد بلغت هذه المظاهرات الاحتجاجية يوم السبت 15 فبراير ذروتها فى عواصم الدول الأوربية الثلاث  لتى تؤيد حكوماتها الحرب الأمريكية . فى لندن تجاوز عدد المتظاهرين المليون ، وفى روما وصل الى مليون ، وفى مدريد أكثر من مليونين . وفى نيويورك تجمع حوالى 100 ألف فى وسط منهاتن – على رغم البرد القارس – بعد أن رفضت سلطات المدينة السماح بتنظيم مسيرة سلمية الى مقر الأمم المتحدة .
ولم يتجاوز شيراك الحقيقة عندما قال أن العالم بعد هذه التظاهرات أصبح أكثر إنسانية .
• الحرج الذى سببه الموقف الأوربى الرسمى المعارض للحرب " ألمانيا وفرنسا وبلجيكا "ومساندة روسيا والصين ، خاصة الموقف الفرنسى وبيان وزير الخارجية الفرنسى فى مجلس الأمن الذى حظى بتصفيق حاد من الحاضرين فى الاجتماع ، ومواقف وتصريحات الرئيس الفرنسى شيراك الذى قال عنه صحفى عربى " شيراك الذى يبدو أنه الزعيم " العربى " الأول على رأس جبهة المعارضين للحرب " ، وثبات موقف ألمانيا رغم التهديدات الأمريكية لها إقتصاديا.
ولايقلل من قيمة هذا الموقف إنضمام دول شرق أوربا المرشحة لدخول الاتحاد الأوربى ( خاصة رومانيا وبلغاريا) الى الموقف الأمريكى ، وهو مايهدد بإعتراض فرنسا على انضمامها للاتحاد ، أو وجود أسباب اقتصادية ومصالح تقف ورائه ، مثل المصالح البترولية . ففى الوقت الحاضر لاتملك الولايات المتحدة احتياطى بترولى إلا لمدة 13 عاماً ، ولاتملك أوربا إحتياطيا إلا لمدة 8 سنوات . وإستيلاء الولايات المتحدة على بترول العراق – بعد بترول الخليج والتحكم فى بترول بحر قزوين بإحتلالها لأفغانستان – يوفر لها التحكم فى احتياطى البترول فى العالم . وطبقا لدراسة لشركة  "بريتش بتروليوم" فاحتياطى البترول فى السعودية والعراق وحدهما يضمن للولايات المتحدة إحتياطيا لمدة 130 عاما. وتشكل الشركات الفرنسية العاملة فى العراق أكثرية الشركات الأجنبية هناك ، وفى حالة احتلال الولايات المتحدة للعراق ، فالمؤكد أن تحل الشركات الأمريكية محلها . وستلقى الشركات الصينية والروسية نفس المصير . وأى زيادة فى سعر البترول ستؤثر سلبا على الاقتصاد الألمانى بإعتبار ألمانيا دولة صناعية.
• توالى الاجتماعات الاقليمية والدولية لاتخاذ مواقف جماعية ضد الاستعداد الأمريكى للحرب ، بما فى ذلك قمة الاتحاد الأوربى ( عقدت يوم الثلاثاء 18 فبراير 2003 ) واجتماع حلف الأطلنطى ( عقد يوم الاثنين 17 فبراير) وقمة دول عدم الانحياز (25 فبراير ) والقمة الفرنسية الافريقية (20 و21 فبراير ) تحت عنوان " أفريقيا وفرنسا معا على طريق المشاركة الجديدة" . وبحثت كل هذه الاجتماعات الأزمة العراقية فى مقدمة أعمالها .. واحتمال عقد قمة اسلامية فى أول مارس بالدوحة خاصة بالتهديد العسكرى الأمريكى للعراق.
•  غياب أى صوت عربى " تأييدا للبيان الألمانى الروسى أو الاقتراحات الفرنسية الألمانية الداعية الى مد عمل المفتشين الدوليين والسعى إلى انتهاج أساليب سلمية تكفل تحقيق الاستقرار فى المنطقة وحل الصراعات القائمة فيها . ودعوة فرنسا العرب لإتخاذ موقف مساند للتحرك الأوربى المناهض للحرب.
•  إدراك الحكومات العربية أن الحشود العسكرية الأمريكية فى المنطقة تتجاوز أهدافها مجرد إسقاط النظام العراقى . فالولايات المتحدة تسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة " فى ضوء منظور سياسى واستراتيجى وأمنى مغاير للسائد حالياً وستتجاوز الدائرة الخليجية الى الدائرة الشرق أوسطية" ( العربية) . وتذيع وسائل الاعلام الأمريكية أن الخبراء إنتهوا من رسم أكثر من خريطة جديدة للشرق الأوسط تقوم على إحداث تغيير شامل وجذرى لأنظمة الحكم فى العالم العربى فور الانتهاء من الحرب ضد العراق .." وقد يحدث تدخل عسكرى بقوات أمريكية أو إسرائيلية فى دول عربية غير العراق".
ومايعلنه المسئولون فى الإدارة الأمريكية من إحتمال فرض الولايات المتحدة حكما مباشرا على العراق " طالما اقتضت الحاجة إليه " وجعل العراق نموذجا للديمقراطية فى العالم العربى(!)" و" توفير قدر أفضل من الحرية السياسية والاقتصادية وتعزيز دور القانون وإحترام حقوق الانسان وتعزيز مكانة المرأة ، ومستوى تعليمى أفضل" .. كل ذلك – وأخذا فى الاعتبار مبادرة كولين باول الخاصة بتنمية الديمقراطية فى العالم  العربى – أثار قلق الحكومات العربية ، ويجعل إقدامها على محاولة جماعية لوقف الحرب أمرا لامفر منه .
وعقد وزراء الخارجية العرب إجتماعهم العادى فى 16 فبراير 2003 ، وأصدروا بيانا ختاميا وكان أهم ماجاء فيه توصية وزراء الخارجية بإمتناع الدول العربية عن تقديم أى نوع من المساعدة والتسهيلات لأى عمل عسكرى يؤدى إلى تهديد أمن وسلامة العراق . وكان تبنى القمة العربية لمثل هذه التوصية وتحويلها إلى قرار ملزم يمثل إنقلابا ايجابيا فى الموقف العربى ، وخاصة من جانب دول الخليج التى ترتبط بإتفاقات ومعاهدات ثنائية بين دوله الست والولايات المتحدة ، تم بموجبها انشاء قواعد عسكرية فى قطر والكويت والسعوديةإضافة للقاعدة الأمريكية فى البحرين . وهذه القواعد هى الأكثر قربا للعراق والأقل كلفة فتكاليفها تدفعها الدول الخليجية المضيفة لها ، وليس من حق هذه الدول رفض استخدامها ، وتعامل بإعتبارها جزء مستقلا عن سيادة الدولة صاحبة الأرض وتتبع تماما الولايات المتحدة الأمريكية وتطبق فيها القوانين الأمريكية . واتخاذ مثل هذا القرار من القمة يعنى الزام الدول الخليجية بإلغاء هذه الاتفاقات وخروج الوجود العسكرى فى المنطقة ، والذى يستحيل شن الحرب على العراق دون هذا الوجود.
ولم يحدد وزراء الخارجية موعدا للقمة العربية المقترحة وعهدوا الى لجنة من مصر ولبنان والأمانة العامة للجامعة الاتصال بالحكومات العربية لتحديد الموعد. فى البداية أعلى أحمد ماهر وزير خارجية مصر أن القمة ستعقد يوم 28 فبراير بدلا من الموعد الذى اقترحه الرئيس مبارك (22 فبراير ).
ولم تمض إلا ساعات قليلة ( اقل من 48 ساعة ) حتى أعلن أن القمة الطارئة لن تعقد " بسبب إزدحام القمم الأخرى .. فالقمة الأفريقية الفرنسية تعقد فى باريس يوم الجمعة 21 فبراير ، وقمة دول عدم الانحياز تعقد يومى 24 و25 ، وهناك إحتمال لعقد قمة الدول الاسلامية فى الدوحة يومة 4 و5 مارس .. ويشارك عديد من الملوك والرؤساء العرب فى هذه القمم" . وأضاف متحدث رسمى بإسم الخارجية اللبنانية أن القمة لن تعقد فى شهر فبراير " لأن الاتصالات التى قامت بها اللجنة الثلاثية المكلفة بالتحضير لهذه القمة لم تسفر حتى الآن ـ 18 فبراير ـ عن نتيجة " . وكشف النقاب عن طرح عدد من الدول تساؤلا خلال اجتماع وزراء الخارجية الطارئ ـ والعاصف ـ عن الهدف من عقد هذه القمة الطارئة . ومن بين هذه الدول سوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا . وأعلن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى أن السعودية لاترى حاجة إلى عقد قمة استثنائية ، وحذر أن هذه القمة  "ستزيد الأمر سوءا إذ لم تخرج بقرار يتفق عليه كل العرب" وأضاف مصدر سعودى رسمى " أن ماحدث فى إجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير فى القاهرة خير دليل على ذلك.. فالدول العربية لم تتعامل فى هذا الاجتماع بجدية مع خطورة الوضع ، وحدثت إرباكات وتباينات ، وهذا يعبر عن عدم صدقية وجدية المواقف العربية ، وعدم وجود آلية للتنفيذ ومتابعة القرارات التى تتخذ ، وبالتالى فإنها تظل قرارات من دون تنفيذ ، وهذا الأمر يجعل التعاون بين العرب عسيرا ، مايترك انعكاساته السلبية على العالم العربى بأسره ".
وبسقوط إحتمال عقد القمة الطارئة تم التوصل لحل وسط ، وهو تقديم موعد القمة الدورية العادية من 25 مارس إلى أول مارس ، على أن تعقد فى القاهرة بعد موافقة البحرين التى كان مقررا إستضافتها فى المنامة وتولى رئاستها ، على أن تظل الرئاسة فى القاهرة للبحرين . ثم إتفق على نقل القمة من القاهرة إلى شرم الشيخ التى كانت مقرا للقمة الاستثنائية المقترحة ، فقد أصرت الإدارة المصرية على شرم الشيخ . وكان نقل القمة من البحرين إلى مصر ، بسبب وجود اقدم قاعدة عسكرية أمريكية فى البحرين ، وحتى لايبدو الأمر هزليا أن تجتمع القمة العربية تحت مظلة الوجود العسكرى الأمريكى وقوات الغزو .
ولكن هذا الحل الوسط تعرض للفشل عندما طلبت الحكومة العراقية تأجيل القمة إلى مابعد 14 مارس ـ تاريخ مناقشة تقرير بليكس والبرادعى عن مدى تجاوب العراق مع المفتشين ـ وايدتها فى طلب التأجيل سوريا ولبنان . كان واضحا أن هناك قلق من جانب العراق أن تفشل القمة بعد كل هذه التطورات السلبية أو تتحول إلى ممارسة الضغوط على العراق لتقبل بما لايمكن القبول له ،وتتجاهل أن الخطر الأساسى يأتى من إصرار الولايات المتحدة على غزو العراق .
وبعد إقناع العراق بأن القمة لن تتخذ أى موقف ضد العراق والحكم القائم فيه ، ولن تتعرض من قريب أو بعيد لنظام الحكم أو للرئيس صدام ، انعقدت القمة العربية العادية فى أول مارس فى شرم الشيخ.
واختتمت القمة أعمالها بإصدار بيان حول العراق حظى بالموافقة الاجماعية لكل الحكومات العربية . وتجاهل البيان عن عمد تسمية الولايات المتحدة بإعتبارها الدولة التى ستشن الحرب على العراق وتسقط نظامه الحاكم وتمارس إحتلال أراضيه ، وتسعى لرسم خريطة جديدة. وحتى فى الجانب المتعلق بـ " الصراع العربى الإسرائيلى تجاهل البيان الولايات المتحدة ومسئوليتها المباشرة فى دعم معاودة إحتلال المناطق الفلسطينية .." وليس هناك تفسير لهذا الغياب إلا حرص الحكومات العربية ، على عدم إغضاب  "الحليف الأمريكى ، وتأكيد العجز العربى عن مواجهة عدوانه ، والحلم بأن يقف التغيير فى أنظمة الحكم عند حدود العراق ولايمتد إلى بلاد عربية أخرى ".
وأسقط بيان القمة الفقرة الخاصة بعدم تقديم أى مساعدات أو تسهيلات لقوات الغزو الأمريكية ، إستبدلها بعبارة تقول " التأكيد على إمتناع دولهم عن المشاركة فى أى عمل عسكرى يستهدف أمن وسلامة ووحدة أراضى العراق وأى دولة عربية " . وهو تغيير بالغ الدلالة . فالفقرة الواردة فى بيان القمة لاقيمة لها على الاطلاق . فالولايات المتحدة لم تطلب من أى دولة عربية " المشاركة " فى غزو العراق ، وقررت أن تخوض الحرب مع بريطانيا فقط ، فهى لاتريد شريكا عربى فى إحتلال العراق وحكمه فى المستقبل . وكل ماتريد هو استخدام الأراضى العربية وقواعدها العسكرية فى دول الخليج والمجال الجوى والبحرى للبلاد العربية فى هذه الغزوة الأمريكية ، وهو ماحدث بعد ذلك ، واقرته القمة تقريبا عندما أسقطت فقرة امتناع الدول العربية عن تقديم مساعدات أو تسهيلات عسكرية  "للولايات المتحدة ".
وبعد القمة تم توجيه ضربتين قويتين لقرارات القمة . فأعلنت الكويت ترحيبها بإستقبال 62 ألف جندى أمريكى على أراضيها فى حالة تمسك البرلمان التركى بموقفه الرافض لوجود هذه القوات على أرضه للزحف منها على الجبهة الشمالية للعراق.
وتبنت دول الخليج الست المبادرة الاماراتية باستقالة صدام حسين  والتى لم تعرض على القمة وأعلنت السعودية والكويت " تأيدا مطلقا للمبادرة " ، وتبنى مجلس التعاون الخليجى هذه المبادرة وضرورة طرحها " فى الاطار العربى لمناقشتها وتقويمها ".
ووقع الغزو الأمريكى للعراق وسقطت بغداد بعد مقاومة فى الأيام الأولى ، واحتلت العراق وتراجعت الإدارة الأمريكية عن وعودها بتولى العراقيين إدارة البلاد فى الفترة الانتقالية ، وشهدت بغداد والمناطق المحيطة بها فى وسط العراق مقاومة مسلحة للاحتلال الأمريكى . والتزم النظام الاقليمى العربى والحكومات العربية الصمت عما يجرى فى العراق .
تهديد سوريا :
 ووقف العرب صامتين عندما هددت الإدارة الأمريكية سوريا بصورة مباشرة . كانت الولايات المتحدة قد أوضحت إن إحتلال العراق مجرد خطوة أولى فى إعادة رسم خريطة المنطقة " فسقوط صدام حسين ونظامه هو بداية للتغيير فى الشرق الأوسط وواجهه له .. فتغيير النظام فى بغداد ينبغى أن يفسح المجال لعملية إعادة ترتيب فى هذه المنطقة تمزج مابين الديمقراطية والتحديث الاجتماعى  (بالمفهوم الأمريكى ) واستئصال الارهاب ( وتصف واشنطون المقاومة الوطنية  للإحتلال ارهابا! ) ودعم المصالح الأمريكية وضمان أمن إسرائيل " . ومع الغزو الأمريكى للعراق ، اتهم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى (28 مارس 2003) سوريا بإمداد العراق بمعدات عسكرية ، وقال ان هذا الاجراء" عملا عدائيا يعرض حياة القوات الأمريكية والبريطانية فى العراق للخطر " ، وأكد أن واشنطون " ستحمل الحكومة السورية مسئولية هذا العمل " . وعندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة تهدد بإتخاذ إجراء عسكرى ضد سوريا قال رامسفيلد " أنا أعنى تماما ماقلته ، وهذا البيان تمت صياغته بعناية ".
وواصل كل أركان الإدارة الأمريكية حملتهم ضد سوريا . فدعا كولين باول سوريا إلى " التخلى عن دعمها الجماعات الارهابية ونظام الرئيس صدام حسين .. فسوريا تواجه الآن خيارا حاسما بإمكانها أن تواصل الدعم المباشر للجماعات الارهابية والنظام المحتضر فى العراق أو السير فى طريق مختلف وأكثر أملا وإذا إختارت أى من الطريقين ستتحمل مسئولية خيارها وتبعات ذلك .. والولايات المتحدة تراقب الدول التى لا تلتزم أنماط سلوك مقبولة " . وسربت المخابرات الأمريكية للصحافة أن رامسفيلد أمر بوضع خطط لغزو سوريا . وقال بول وولفو فيتز نائب وزير الدفاع الأمريكى " لابد من حدوث تغيير فى سوريا ، ويجب أن تفهم سوريا الرسالة التى أوضحتها القوات الأمريكية والبريطانية فى العراق ، ويجب ألا تحاول الحصول على أسلحة دمار شامل وألا تستخدم الارهاب كأداة للسياسة القومية ".
وعقب السقوط العراقى تزايدت سرعة وعنف التهديدات . فقال كولين باول " ليس من الحكمة أن تصبح سوريا فجأة ملاذا لجميع الأشخاص الذين يجب إحالتهم أمام القضاء و يحاولون الفرار من العراق .. سوريا كانت لفترة طويلة مصدر قلق وأدرجت على لائحة الدول الداعمة للارهاب ، وبحثنا هذا الأمر مع السوريين مرارا " وهدد باول بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على سوريا . وقال رامسفيلد ( 14 أبريل 2003) أن سوريا أجرت تجربة على اسلحة كيماوية خلال الشهور الخمسة عشر الماضية ، وأن الإدارة الأمريكية لديها معلومات تقول أن سوريا سمحت لسوريين وغيرهم من المسلحين بدخول العراق لقتل الأمريكيين . وقال الناطق باسم البيت الأبيض آرى فلايشر ان سوريا  "دولة إرهابية تؤوى إرهابيين " . وأعلن الرئيس الأمريكى جورج بوش أن بلاده تعتقد أن لدى سوريا اسلحة كيماوية وأن ينبغى على سوريا أن " تتعاون مع الولايات المتحدة وشركائنا فى التحالف ، وعدم إيواء أى بعثيين ( عراقيين) وأى مسئولين عسكريين وأى اشخاص ينبغى محاسبتهم .. إن كل موقف يتطلب رد فعل مختلف . فنحن الآن نتعامل مع العراق وبعد ذلك سوف نلتفت إلى سوريا ، وكل مانريده هو التعاون معها " وركزت الإدارة الأمريكية على استضافة سوريا على أرضها للمنظمات الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإسرائيلى ، وعلى الوجود السورى فى لبنان ودعم حزب الله ، والزعم بوجود اسلحة دمار شامل فى سوريا ، ودعم سوريا لنظام صدام حسين وللمقاومة العراقية الحالية ضد الاحتلال الأمريكى ، وأن الحزب الحاكم فى سوريا هو أحد أجنحة حزب البعث العربى الاشتراكى ، وينطلق من نفس فلسفة وأيديولوجية حزب البعث الذى كان حاكما فى العراق وهى أيديولوجية فاشية متعصبة قوميا  وغير ديمقراطية .. وطالبت الإدارة الأمريكية بضرورة التغيير فى سوريا وإقامة نظام ديمقراطى حديث موال لأمريكا ، ضمن تغيير أنظمة الحكم فى العالم العربى تطبيقا لمبادرة كولين باول.
ولم تخف الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية أن فى مقدمة الأهداف الأمريكية ( الإسرائيلية) تهديد سوريا باعتبار أن الخطر المباشر الآن على إسرائيل ـ بعد خروج مصر والعراق من ساحة المواجهة ـ هى سوريا ، وأن " المعلومات عن سوريا ورئيسها المتوفرة لدى الولايات المتحدة والتى تبنى عليها سياستها ضد سوريا مصدرها المخابرات الإسرائيلية "
فلسطين .. وخارطة الطريق
 ويبدو العجز العربى أفدح مايكون فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية ، بل وتجاوزت الحكومات العربية العجز إلى ممارسة الضغوط على الفلسطينيين لتمرير السياسات الإسرائيلية الأمريكية  .
لقد شهدت القضية الفلسطينية فى السنوات الأخيرة سلسلة من التطورات الايجابية والسلبية البالغة التأثير على مستقبل الشعب الفلسطينى.
فى 23 أكتوبر 1999 – وبعد جمود فى المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين استمر 18 شهرا منذ توقيع بروتوكول الخليل فى 17 يناير 1997 _ وقع كل من ياسر عرفات وبنيامين نتانياهو وبحضور بيل كلينتون ، على اتفاق عرف بإتفاق " واى ريفر" . ورغم أن الاتفاق مكن الفلسطينيين من استعادة جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة لتصبح الأراضى الخاضعة تماما للسلطة الوطنية الفلسطينية مدنيا وعسكريا وأمنيا 3ر18% ( المنطقة أ) من أراضى الضفة الغربية بدلا من 3% قبل الاتفاق  ، والافراج عن 750 من الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية ، والوعد بفتح ممرين يربطان غزو بالضفة الغربية وانشاء الميناء وتشغيل المنطقة الصناعية .. فالمحصلة النهائية للاتفاق كانت سلبية وتراجع عن الاتفاقات السابقة ، بدءا بأوسلو ووصولا إلى اتفاق الخليل.
وكان واضحا أن هذه التنازلات الفلسطينية جاءت نتيجة استمرار السلطة الفلسطينية- وتحت ضغوط عربية - فى إدارة عملية التفاوض اعتمادا على الدور الأمريكى ، وتقديم التنازلات الواحد تلو الآخر على أمل أن ترد إسرائيل ـ ولو بضغط أمريكى ـ على هذه التنازلات بموقف إيجابى.. والأهم هو غياب أى موقف عربى موحد مساند للحق الفلسطينى حتى فى حده الأدنى، واندفاع الحكومات العربية بعد إتفاق الخليل للتعامل مع نتانياهو بإعتباره شريك حقيقى فى عملية التسوية " وضرورة تشجيع موقفه الجديد ، وبالتالى الضرب عرض الحائط بقرارات قمة القاهرة ( يونية 1996) الخاصة بوقف التطبيع ، والاندفاع للتطبيع من جديد،وعدم الاستجابة لالحاح عرفات أكثر من مرة على عقد قمة عربية تتصدى للمواقف الإسرائيلية.
وفى 5 سبتمبر 1999 تم توقيع اتفاق شرم الشيخ ( أو واى ريفر2) وهو جدول زمنى لتنفيذ إتفاق واى ريفر ، حمل بدوره مزيدا من التنازلات ، ووقعه ايهود باراك وعرفات.
وجرت محاولة لفرض الاستسلام الكامل على الفلسطينيين فى قمة كامب ديفيد ، ورفض عرفات هذه التسوية لتزداد شعبيته . وفى 28 سبتمبر 2000 انفجرت الانتفاضة الثانية ، انتفاضة الأقصى ، فقمة كامب ديفيد وفشلها " خلقت إنطباعا عاما لدى الجمهور الفلسطينى بأن عملية السلام  "التسوية " المتعثرة منذ سنوات لم يعد ينفع لإبقائها حية أى تحايل أمريكى وأن الأفق إنسد كليا فى وجهها بصيغتها الراهنة ". وقد ارتبط اندلاع الانتفاضة فى الواقع بعوامل عديدة كانت تختمر منذ فترة طويلة ، تمثلت فى شعور الفلسطينيين المتزايد بالخيبة والمهانة على السواء من جراء تواصل سياسة مصادرة الأراضى وزرع المزيد من المستوطنات اليهودية وتوسيع القائم منها ، وتضم مناطق جديدة فى مدينة القدس ، بالاضافة إلى تفاقم ظاهرة البطالة والتدهور  المستمر فى مستوى حياة المواطنين اليومية الذين اصبحوا يعيشون فى ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية أسوأ بكثير من الأوضاع التى شهدوها قبل التوصل إلى اتفاق أوسلو ".
وشنت إسرائيل حربا متصاعدة ضد الانتفاضة والشعب الفلسطينى مازالت متواصلة حتى الآن . وحققت الانتفاضة نجاحات على الأرض . ولم تكن العمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر هى عنوانها الوحيد  فالمقاومة اتخذت أشكالا متنوعة حتى فى الجانب المسلح منها ، مثل عملية الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فى 25 أغسطس 2001 التى إخترق خلالها عناصر الجبهة قاعدة عسكرية إسرائيلية فى مستعمرة  "جوش قطيف " وقتل 3 عسكريين إسرائيليين وإصابة سبعة آخرين ، وهى قاعدة محمية بثلاثة أو أربعة أنظمة أمنية . واكتسبت الانتفاضة تضامنا عالميا كان عنوانها البارز قرار " منتدى المنظمات غير الحكومية " فى دربان فى جنوب أفريقيا وبيانه الصادر فى 2 سبتمبر 2001 والذى شارك فى صياغته 3000 منظمة غير حكومية تمثل 44 تجمعا إقليميا ، والذى أدان إسرائيل بوصفها دولة عنصرية فاشية يسودها التمييز العنصرى ونظام فصل عنصرى مشابه للنظام العنصرى السابق فى جنوب أفريقيا ، وطالب البيان المجتمع الدولى بفرض نظام عقوبات صارم على إسرائيل مثل الذى طبق على جنوب أفريقيا حتى تمتثل لقرارات الأمم المتحدة وتنسحب من الضفة وغزة والقدس وتسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم ، كما طالب البيان بإقرار حق الفلسطينيين فى إستخدام جميع الوسائل الممكنة لمقاومة الاحتلال الاستعمارى والاحتلال العسكرى التمييزى، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى لحين تحرره من الاحتلال الاستيطانى العنصرى . وصدر البيان بالاجماع فلم يعترض عليه إلا تجمع المنظمات الصهيونية التى اضطرت للانسحاب بعد إقرار البيان وسط هتاف أعضاء المنتدى " الحرية لفلسطين ". واضطر وفد الولايات المتحدة وإسرائيل للانسحاب من " المؤتمر العالمى ضد العنصرية " وهو المؤتمر الرسمى الذى شاركت فيه الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وعقد عقب منتدى المنظمات غير الحكومية . وكان موقف الحكومات العربية فى المؤتمر الرسمى ضعيفا منذ البداية ، فقد تنازلت مبكرا عن النص الخاص بمساواة الصهيونية بالعنصرية ، وأعلن أحمد ماهر وزير خارجية مصر أن " المجموعة العربية بالتعاون مع المجموعة الاسلامية والمجموعة الأفريقية أظهرت مرونة ملموسة وتجاوزت الجدل الأيديولوجى حول الصهيونية وعلاقتها بالعنصرية" .
وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة مارست الولايات المتحدة – والحكومات العربية استجابة للولايات المتحدة ضغوطا هائلة على القيادة الفلسطينية ليعلن الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات" وقف إطلاق النار" ويلتقى عرفات ببيريز فى ذكرى مرور عام على الانتفاضة . ورغم اعلان وقف اطلاق النار من الجانب الفلسطينى ، وإعلان حكومة شارون " وقف عملياتها الهجومية " على الفلسطينيين فقد سقط خلال الأيام الأولى من وقف اطلاق النار  21 شهيدا فلسطينيا و230 جريحا ، وتواصلت العمليات العسكرية الإسرائيلية واغتيال كوادر الانتفاضة . وردت الانتفاضة بعمليات متفرقة أبرزها اغتيال الجبهة الشعبية لوزير السياحة الإسرائيلى " رحبعام زئيفى" وهو زعيم  حزب  "الاتحاد القومى " وأحد غلاة قادة اليمين فى الحكومة الاسرائيلية ، ردا على اغتيال الأمين العام للجبهة " أبو على مصطفى" فى مكتبه يوم 27 أغسطس 2001.
ولعبت النصائح العربية وضغوط الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى وإسرائيل دورا أساسيا فى صدور قرار السلطة الفلسطينية بتصفية البنية الأساسية  لمنظمات المقاومة المسلحة خاصة حماس والجهاد الاسلامى ، واعتقال 180 من قادة حماس بعد إعلان حالة الطوارئ فى أراضى السلطة، واغلاق عديد من المنظمات الأهلية بما فيها منظمات العمل الاجتماعى والصحى يسهر بعضها على توفير دخل لأسر الشهداء والمعتقلين لدى إسرائيل . وفى مساء الخميس 20 ديسمبر 2001 حدثت مواجهة بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين من حماس ، وسلسلة من الاشتباكات بين الشرطة يوم الجمعة والمشيعين لجنازة شهيد سقط فى اليوم السابق برصاص الشرطة الفلسطينية وسقط فى هذه الاشتباكات 6 شهداء جدد واصيب نحو 60 فلسطينيا . وأطل خطر انفجار الحرب الأهلية على الساحة الفلسطينية الداخلية . وبادرت حركة المقاومة الاسلامية حماس باعلان تعليقها للعمليات الاستشهادية داخل الأراضى المحتلة عام 1948 ووقف اطلاق النار إلى حين " وأن هذا القرار جاء استجابة للكثير من العقلاء الذين يرغبون فى تفويت الفرصة على المحتلين لضرب وحدة صفوفنا "
وعندما اجتاحت إسرائيل مدن وقرى الضفة الغربية وفرضت الحصار على مقر الرئيس ياسر عرفات فى رام الله ( ديسمبر 2001) ، اكتفت الحكومات العربية بالصمت ، ولم يفكر أى ملك أو حاكم عربى فى الاتصال تليفونيا بعرفات بعد قصف إسرائيل وتدمير " القلعة " ومقر عرفات فيها . ولأول مرة يدين الفلسطينيون فى مظاهرة تضامن مع الرئيس عرفات يوم 20 يناير 2002 الموقف الرسمى العربى ، وتوقع 100 شخصية فلسطينية بارزة من بينهم حيدر عبد الشافى ومصطفى البرغوثى وادوارد سعيد ومحمد زهدى النشاشيبى وابراهيم أبو النجا ( نائب رئيس المجلس التشريعى الفلسطينى) على بيان يعبر عن " الاستياء الشديد للصمت العربى الرسمى إزاء مايتعرض له شعبنا وقيادته الشرعية ومحاصرة الرئيس أبو عمار".
واكتفى  العرب يطرح ماسمى بالمبادرة السعودية ، وهى الأفكار التى طرحها الأمير عبد الله ولى عهد السعودية فى حديث صحفى مع الصحفى الأمريكى " توماس فريدمان " قال خلاله أنه على استعداد للتقدم بمبادرة سلام لقمة بيروت العربية تقوم على استعداد جميع الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 4 يونية 1967 .وأعلن مجلس التعاون الخليجى ( بمشاركة السعودية ) فى البيان المشترك مع دول الاتحاد الأوربى من أن " حضور الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات القمة العربية فى بيروت ، ووقف إسرائيل هجماتها على الشعب الفلسطينى شرطان أساسيان  لتفعيل مبادرة ولى العهد السعودى" . ورغم رفض إسرائيل للمبادرة السعودية لما تنص عليه من انسحاب إسرائيل إلى حدود  4 يونيه 1967 وتمسك إسرائيل بتفسيرها للقرار 242  والذى يقول بانسحاب إسرائيل من أراضى عربية احتلت عام 1967 وليس كل الأراضى العربية المحتلة وإعلان شارون أن حكومته ترفض الانسحاب الى حدود 4 يونية 1967 " وقد رفضته كل الحكومات السابقة " وتأييد الإدارة الأمريكية لهذا الموقف الإسرائيلى وإعلان كوندوليزا رايس" أن تقرير الحدود النهائية للدولة الفلسطينية يجب أن يتم خلال عملية التفاوض " وعدم الاستجابة للشرطين الذى طرحهما مجلس التعاون الخليجى لعرض المبادرة على قمة بيروت .. فقد تبنت قمة بيروت (27،28 مارس 2002) المبادرة السعودية . ورد شارون باجتياح أراضى السلطة الفلسطينية فى اليوم التالى (29 مارس) فيما عرف بعملية السور الواقى والتى تميزت باستخدام أقصى درجات العنف وتوجيه ضربات نافذة للمواطنين والمبانى والمزارع والمصانع والمدارس وكل شئ فى المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية . وفى مخيم جنين وحده استشهد 380 وفى نابلس 120 ليبلغ المجموع 500 شهيدا وليرتفع الشهداء منذ بدء الانتفاضة الى 2170 شهيدا بينهم 1400 طفل وصبى يقل عمر 230 منهم عن 12 عاما ، والجرحى 36 ألفا و263 أصيب 550 منهم بعاهات مستديمة . واعتقلت قوات الغزو الإسرائيلى ـ وفقا للمصادر الإسرائيلية ـ أكثر من خمسة آلاف فلسطينى.
وواصلت الحكومات العربية ضغوطها على الفلسطينيين ، فأدانت قمة شرم الشيخ المصرية السعودية السورية ( مايو 2002) العنف بكل أشكاله ، ورغم تصريحات أحمد ماهر ونائب الرئيس السورى عبد الحليم خدام أن المقصود بالعنف هو العنف الإسرائيلى وأن العمل الذى يقوم به الفلسطينيون هو مقاومة " والمقاومة حق لكل الشعوب " .. إلا أن العالم كله فهم أن هذه الدعوة لوقف العنف موجهة للإسرائيليين والفلسطينيين  وخاصة العمليات الاستشهادية . وأعلن الأمير سعود الفيصل أن هناك ضغوطا عربية بدأت تمارس على رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات من أجل "وضع حد للهجمات ضد إسرائيل ".. وعقب زيارة عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية لرام الله ولقائه مع ياسر عرفات ، قالت المصادر الإسرائيلية أن هناك "ضغوطا عربية تمارس على السلطة الفلسطينية لوقف العمليات ضد إسرائيل وبالأخص عدم مشاركة فتح فيها سواء داخل إسرائيل أو فى المناطق الفلسطينية " أى وقف المقاومة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين المسلحين فى الضفة وغزة ورحب شارون ببيان قمة شرم الشيخ معتبرا انه " تقدم يمكن أن يجعلنا نقترب من العودة إلى طاولة المفاوضات .. أن المسئولية فى الأراضى الفلسطينية باتت عربية ".
واتخذ العرب موقف التأييد بل والترحيب المطلق بما سمى " خريطة الطريق " . لقد طرحت هذه الخطة فى خطاب ألقاه الرئيس الأمريكى " جورج بوش " فى 24 يونية 2002 ، اقترح فيه الرئيس إقامة دولة فلسطينية " مؤقتة " فى غضون ثمانية عشر شهرا ، على أن تصبح دولة " دائمة " مستقلة وذات سيادة خلال 3 سنوات . وركز  العرب على هذه النقطة وتجاهلوا أن ذلك كان معلقا على مجموعة خطيرة من الشروط التى تمس السيادة الفلسطينية والمستحيلة التنفيذ ، مثل وجود " قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة لكى تولد دولة فلسطينية جديدة . إننى أدعو الشعب الفلسطينى إلى انتخاب قادة جدد قادة غير متورطين بالارهاب " على حد ماجاء فى خطاب بوش . وكان واضحا أن التغيير الأول والأساسى الذى يطلبه بوش هو رحيل عرفات الرئيس الفلسطينى المنتخب ديمقراطيا وفى ظل رقابة دولية على الانتخابات . وهو ماأكده بوش فى عدة تصريحات تالية ، وكذلك تصريحات كولين باول ( زعيم الحمائم ) الذى قال أنه حذر عرفات عندما إجتمع به قبل شهرين ونصف  الشهر فى رام الله من أنه إذا لم ينفذ تغييرا إستراتيجيا فى سياسته فسيتم تغييره. واضاف باول أن خطاب بوش " يعبر عن خيبة أملنا فى عرفات  . وهو لايعبر فقط عن خيبة أملنا وحدنا فى القيادة الفلسطينية الحالية ، فقد سمعنا أيضا تصريحات بالاعتذار والأسف من الزعماء العرب عما يفعله عرفات "!
الشرط الأمريكى الثانى ، هو قيام القيادة الفلسطينية ببناء ديمقراطية قائمة على التسامح والحرية "، وهذا يبدأ كما يقول بوش" بإنتخابات حرة ودستور جديد وشفافية وتطبيق لحكم لقانون " ويضيف " أن الاصلاح الحقيقى يتطلب مؤسسات سياسية واقتصادية جديدة تماما قائمة على الديمقراطية واقتصاد السوق والعمل ضد الارهاب ".
والعمل ضد مايسمى بالارهاب ـ والمقصود به المقاومة بكافة أشكالها بما فى ذلك التظاهر وانتفاضة الحجارة والعمل العسكرى ضد المستوطنين والجنود والعمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر ـ هو شرط أمريكا الثالث " فالولايات المتحدة لن تدعم إقامة دولة فلسطينية إلا إذا خاض قادتها ( الجدد) كفاحا مستمرا ضد الارهابيين وفككوا بنيتهم التحتية . وهذا يتطلب جهدا بإشراف خارجى لإعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية وإصلاحها . ويجب أن يكون لنظام الأمن حدود وسلطات ومسئوليات واضحة و سلم قيادى موحد . وستتابع أمريكا هذا الاصلاح مع دول اقليمية رئيسية" وقد أشار فىموقع آخر من خطابه إلى إمكانية التوصل إلى إتفاق " مع إسرائيل ومصر والأردن بشأن الأمن "!
وأضاف بوش لهذه الشروط المجحفة والتى تمس الحياة الداخلية للفلسطينيين كاملة ، والمستحيلة التنفيذ " أنه لن يقدم أى أموال إلى إدارة فاسدة لايتسم أداؤها بالشفافية " وإلى إمكانية لجوء الولايات المتحدة للخيار العسكرى فى الشرق الأوسط " فجميع الخيارات مطروحة ".
ولم تقرأ الحكومات العربية الموقف الإسرائيلى من خطاب بوش .فعقب القاء بوش لخطابه قال بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع الإسرائيلى ، أن الخطاب " يشكل مرحلة تاريخية تقدم أفقا أمنيا وسياسيا واقتصاديا يتيح وضع حد للنزاع الاسرائيلى الفلسطينى" وأضاف أنه " يؤيد بشدة وجهة نظر بوش التى ترى أن مفتاح الحل يمر بتغيير القيادة الفلسطينية واقرار إصلاحات اساسية فى السلطة واعتماد الشفافية والنهج الديمقراطى ونبذ العنف والارهاب والتحريض على الكراهية " وقال " تسيبى ليفتى " الوزير فى حكومة " شارون " أن الرئيس الأمريكى أقر رؤية أرييل شارون بخصوص إجراء تسوية على مراحل " ووصف رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق بنيامين نتانياهو ، والمنافس لشارون داخل الليكود ، خطاب بوش بأنه " هدية كبيرة للشعب الإسرائيلى بعد عامين من الارهاب .. وتبنى بوش مبدأ التبادلية التى حددتها أثناء رئاستى للحكومة ، وبموجبها تعفى إسرائيل من التزاماتها فى إتفاقات أسلو مقابل كل خرق فلسطينى لهذه الاتفاقات . وتركت مسالة الدولة الفلسطينية لمستقبل البعيد .. وسنتباحث فى هذه المسألة حتى يوم القيامة ".
ورحبت الدوائر  الصهيونية فى الولايات المتحدة بالخطاب . فقالت منظمة إيباك " أن خطاب الرئيس بوش وجه رسالة حازمة الى الفلسطينيين عن طريق التأكيد أن الاصلاح وليس الارهاب هو الطريق الى اقامة دولة فلسطينية " وقال النائب " جارى أكرمان " وهو من أشد المؤيدين لإسرائيل فى مجلس النواب الأمريكى  "إن خطاب بوش يمثل فوزا ساحقا لإسرائيل "
وأحمد قريع ( ابو العلاء) قال أن الخطاب " أعاد حتى التقدم الذى أحرز فى السنوات العشر الماضية إلى الوراء .. ثلاثة أرباع خطاب الرئيس الأمريكى كانت عبارة عن شتائم للشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية  ومحاولة أمريكية سافرة لفرض نوع من الوصاية على الجانب الفلسطينى " وقال عضو اللجنة الحركية العليا لحركة فتح حاتم عبد القادر أن الخطاب " جاء مخيبا للآمال ورسخ المفهوم الشارونى للحل .. منح شارون حرية كاملة لترتيب الوضع حسب الطريقة الإسرائيلية ولم يعالج جذور الأزمة وعكس سطحية الموقف الأمريكى الذى حول القضية الفلسطينية الى قضية داخلية لاعلاقة للاحتلال بها " . وقال محمد دحلان أن الخطاب " عدوانى تجاه الشعب الفلسطينى .. وهو صدى لصوت شارون ويمثل تكريس الاحتلال وليس القضاء على الاحتلال الإسرائيلى " وقال أحمد عبد الرحمن الأمين العام لمجلس الوزراء الفلسطينى فى ذلك الحين " إن الشعب الفلسطينى لايمكن أن يقبل التصريحات التى أدلى بها الرئيس الأمريكى جورج بوش فى خطابه الأخير " وتوالت التصريحات التى تصب فى نفس الاتجاه وأشد من صائب عريقات وفاروق قدومى وحماس والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية.
وتجاهل الحكام العرب أن الايجابيات التى يتحدثون عنها ليست أكثر من أوهام . فالخطاب نص على " تأجيل كل ماينبغى أن تقوم به السلطات الإسرائيلية من إنسحاب من المدن الفلسطينية المحتلة ( إلى حدود 28 سبتمبر 2000) وإزالة المستوطنات . ومن المستحسن فى رأى بوش أن يقوم الجانب الإسرائيلى بهذه الخطوات ، لكنها ليست شرطا أمريكيا مفروضا على إسرائيل " وكما يقول مساعد وزير الخارجية السابق روبرت بيللترو " فإن بوش لم يطالب إسرائيل بسحب قواتها وبوقف التوغل الآن ، ولم يطالبها بضبط النفس . المشكلة هى فى إنهاء الاحتلال ، وسوف تظل الأزمة قائمة إلى أن ينتهى الاحتلال .. إن بوش لم يطلب من إسرائيل أن تفعل شيئا غير الذى تفعله الآن فى الأراضى الإسرائيلية " ويضيف باتريك سيل " الخطاب لايتضمن ولاكلمة واحدة تدين إسرائيل لقيامها بإعادة احتلال المدن الفلسطينية ولادعوة للانسحاب الفورى ، ولاجدولا زمنيا معقولا لقيام الدولة الفلسطينية ، ولاذكر لآلية لتنفيذ ، ولاإشارة عن الطريقة التى سيجرى فيها الفلسطينيون انتخاباتهم ، ولاكيف سيقومون بإصلاح مؤسساتهم وهم تحت الاحتلال الإسرائيلى ، وليس هناك حديث واضح عن المواضيع المتعلقة بالحل النهائى للصراع ، مثل قضية الحدود وقضية القدس وقضية اللاجئين ولايوجد أى شئ فى الخطاب يمكن أن يساعد على فتح طريق خروج من المأزق القاتل الراهن " . وليس صحيحا أن بوش أشار للانسحاب الى حدود 4 يونية 1967 ، وإنما أشار فقط إلى التوصل لحدود آمنة ومعترف بها من خلال لمفاوضات . وتجاهل تماما مايسمى بالمبادرة العربية وطالب العرب بالتطبيع " مع تحركنا نحو حل سلمى ، نتوقع من الدول العربية أن تقيم علاقات دبلوماسية وتجارية أوثق مع إسرائيل تؤدى إلى تطبيع كامل للعلاقات مع إسرائيل ".
والحديث عن الدولة المؤقتة ، بصرف النظر عن الشروط المانعة التى وضعها بوش ، لاتحقق أى مصلحة للعرب . وقد عارضتها مصر والأردن علانية قبل خطاب بوش . وقال أحمد ماهر " لم أسمع ابدا عن وجود دولة مؤقتة فى العالم . قد توجد حكومة مؤقتة أو أشياء أخرى مؤقتة ، أما دولة مؤقتة فهذا شئ لم اسمع به ابدا .. أن مثل هذا الطرح يعنى أن مثل هذه الدولة قد توجد اليوم أما غدا فلاتكون "
وعندما تبنت اللجنة الرباعية ( الولايات المتحدة - الاتحاد الأوربى - روسيا - الأمم المتحدة ) فى 20 ديسمبر 2002 خطة الرئيس بوش التى حملت عنوان " خريطة الطريق" ، وسلمت مسودتها للفلسطينيين والإسرائيليين فى اليوم التالى دون نشرها وإذاعتها رسميا ، قبلها الفلسطينيون والعرب وأصبح مطلبهم نشرها رسميا .
ورفضت إسرائيل عمليا " خريطة الطريق " وطالبت الإدارة الأمريكية عدم نشرها رسميا ، ومارست ضغوطا ناجحة لكى لاتعلنها واشنطون خلال غزوها للعراق . وهكذا تراجعت الإدارة الأمريكية عما أعلنه متحدث بإسم تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى فى 18 مارس – قبل بدء الحرب بثمانية وأربعين ساعة – من إتفاق بريطانيا والولايات المتحدة على نشر خريطة الطريق رسميا " خلال ساعات " واستجابت لطلب إسرائيل تأجيل النشر إلى مابعد انتهاء الحرب الأمريكية للعراق . وعادت بريطانيا وأمريكا لتؤكدا فى اليوم الثامن للحرب خلال مؤتمر صحفى مشترك لبوش وبلير أن نشر الخريطة سيتم بعد تولى رئيس الوزراء الفلسطينى مهامه حسب الأصول . وبدأت إسرائيل فى فرض شروطها واقتراح التعديلات على خريطة الطريق والتى تركزت فى 14 تعديلا . وعندما أعلنت خطة الطريق رسميا أكدت الولايات المتحدة أن التعديلات الإسرائيلية ستؤخذ فى الاعتبار عند التطبيق العملى لخريطة الطريق.
واستجابت السلطة الفلسطينية لطلب تعيين محمود عباس ( ابو مازن ) رئيسا للوزراء وهو منصب استحدث فى الخريطة وتم تنفيذه قبل إعلانها رسميا ، وصدر مرسوم بتحديد سلطاته وتشكيل وزارته . وعندما عطل الخلاف بينه وبين عرفات إعلان مراسيم التشكيل تدخلت حكومتى مصر والأردن ـ بطلب أمريكى ـ بالضغط على عرفات وحل الخلافات.
واستسلمت الحكومات العربية الرئيسية والحكومة الفلسطينية للشروط " الأمريكية ـ الإسرائيلية " كاملة ، فى شرم الشيخ ( الثلاثاء 3 يونيه) والعقبة (4 يونية) . فعقب لقاء الرئيس الأمريكى بوش مع كل من الرئيس حسنى مبارك ( مصر) والأمير عبد الله بن عبد العزيز( السعودية ) والملك عبد الله  (الأردن) والملك حمد بن عيسى ( البحرين ورئيس القمة العربية) ومحمود عباس ( رئيس الحكومة الفلسطينية) ، ومطالبته بإنهاء الانتفاضة " رد العرب ببيان أعلنوا فيه " نحن نؤيد اصرار السلطة الفلسطينية على الوفاء بمسئولياتها فى إنهاء العنف وحفظ الأمن والنظام الذى أعلن عنه رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس . وسوف نتأكد من أن مساعدتنا للفلسطينيين سوف توجه فقط الى السلطة الفلسطينية ".
وفى قمة العقبة حقق الإسرائيليون نجاحات غير مسبوقة.
فشارون لم يعلن بشكل واضح قبوله والتزامه بخريطة الطريق ، وصاغ هذه الفقرة من خطابه بطريقة مراوغة قائلا " واسرائيل ، شأنها شأن دول أخرى ، أعطت دعمها القوى للرؤية التى عبر عنها الرئيس بوش فى 24 يونيه 2002 ، رؤية لدولتين ، إسرائيل ودولة فلسطينية .." ثم يشير الى الخطوات التى تنص عليها خريطة الطريق " كما أقرتها الحكومة الاسرائيلية " ، أى بالتحفظات أو التعديلات الأربعة عشر التى وضعتها إسرائيل والتى تنهى عمليا خريطة الطريق المنحازة أصلا لإسرائيل ، والتى وصفها أحد القادة الفلسطينيين البارزين فقال أن خارطة الطريق " تزوير لفكرة الاستقلال وتحويل الدولة المستقلة إلى مجرد كانتونات أو جيتوات مقطعة الأوصال منزوعة السيادة والاستقلال ، على مالايزيد عن 42% من مساحة الضفة والقطاع .. وهدنة من جانب واحد ، يمتنع فيها الفلسطينيون عن الكفاح فى حين تواصل إسرائيل فرض الأمر الواقع وتوسيع الاستيطان " وكان شارون واضحا فى عدم التزامه بما نصت عليه خريطة الطريق من تجميد الاستيطان ، فإكتفى بالحديث عن نقاط الاستيطان غير المرخص بها " وأود أن أكرر أن إسرائيل مجتمع يحكمه القانون وبالتالى سنعمل فورا على إزالة نقاط الاستيطان غير المرخص لها " . ومعنى كلام شارون " أن إزالة هذه البؤر الاستيطانية ليس لأنها أقيمت على أرض محتلة ، وإنما لكونها " غير قانونية " واقيمت من دون استئذان سلطات الاحتلال ورغم أن المصادر الإسرائيلية تقول أن هناك أكثر من مائة بؤرة استعمارية ( استيطانية ) فى الضفة الغربية منها 60 أقيمت بعد تولى شارون السلطة ، فالحديث فى إسرائيل يدور حاليا حول إزالة 10 أو 15 منها فقط . وقد قال وزير الدفاع الإسرائيلى لإذاعة الجيش أن الحديث يدور عن نحو عشر نقاط صغيرة يعتبر إقامتها إستفزازا للحكومة الإسرائيلية . وقد انتقد النائب اليسارى يوسى سريد ماأعلنه شارون واعتبره " مناورة وحيلة أخرى للالتفاف حول خريطة الطريق فى شأن إقتلاع البؤر كافة ووقف تام للاستيطان " . وتراجع شارون عن حديث سابق عن الاحتلال فلم يشر إليه بكلمة واحدة واكتفى بالوعد ـ فى حال تنفيذ الفلسطينيين لوعودهم ـ بالعمل على عودة الحياة إلى طبيعتها بالنسبة إلى الفلسطينيين وتحسين الوضع الانسانى وإعادة بناء الثقة وتشجيع التقدم فى إتجاه رؤية الرئيس " وبالتالى لاتوجد أى إشارة للانسحاب الإسرائيلى!
وزاد الأمر خطورة البيان الذى ألقاه الرئيس الأمريكى . فبوش ركز على أمن إسرائيل وتعهد ابو مازن بوقف الانتفاضة وقال أن رئيس الوزراء الفلسطينى وافق " على أن التقدم بإتجاه السلام يتطلب أيضا إنهاء العنف وإزالة كل أشكال الحقد والأذى والتحريض الرسمى فى الكتب المدرسية وفى وسائل الاعلام وفى الكلمات التى يستخدمها المسئولين السياسيون" أى تزوير وعى الشعب الفلسطينى والتخلى عن ذاكرته والاستسلام لوعى صهيونى زائف.
والأكثر خطورة إعلانه الالتزام بقوة بضمان أمن إسرائيل " كدولة يهودية تنبض بالحياة ". وقد أجمع المراقبون أن هذا الاعلان من جانب بوش بقطع الطريق على حق العودة للاجئين الفلسطينيين ويستجيب لاصرار شارون استبعاد موضوع اللاجئين من قضايا الحل النهائى ، فضلا عن تهديد هوية زهاء مليون فلسطينى ( عرب 1948) يعيشون داخل إسرائيل . وكان سلفان شالوم وزير خارجية إسرائيل واضحا عندما قال أن " أهم ماجاء فى قمة العقبة تصريح الرئيس بوش بأمن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل كدولة يهودية ، وهو ما سيحول دون طرح قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين الى تخوم إسرائيل على أجندة المفاوضات ".
السلام فى السودان :
القضية العربية الثالثة التى عجزت الحكومات العربية عن إتخاذ الموقف الصحيح فيها هى قضية السودان. ففى 20 يوليو 2002 تم توقيع اتفاق " مشاكوس" بين حكومة الفريق عمر البشير فى الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق . وفى يوم 27 يوليو 2002 تم لقاء البشير مع قرنق ـ وهو الأول منذ استيلاء البشير على السلطة عام 1989 ـ فى كمبالا برعاية الرئيس الأوغندى " يورى موسيفينى" . وصرح البشير بعد اللقاء بأن " قرنق وحدوى ولم يكن إنفصاليا فى يوم من الأيام ، وكان دوما يدعو إلى وحدة السودان ".
وهناك إتفاق على أن بروتوكول " مشاكوس" هو إتفاق جزئى من زاويتين .
اتفاق بين طرفين فقط من أطراف الصراع .. حكومة الخرطوم العسكرية التى ترفع شعارات إسلامية وتطبق قوانين قمعية تسميها قوانين الشريعة الاسلامية فى مجتمع متعدد الأعراق والأديان والثقافات والجهات ، وصدرت هذه القوانين فى عهد حاكم عسكرى آخر هو جعفر نميرى الذى يتحمل مسئولية إعادة تفجير الحرب الأهلية فى السودان منذ أكثر من 19 عاما بالغائه لاتفاق أديس ابابا وإعلانه قيام دولة دينية فى السودان .. والحركة الشعبية لتحرير السودان ، وهى حركة علمانية بدأت بمعارضة الحكم العسكرى والدولة الدينية فى الخرطوم ، والمطالبة بوقف التمييز ضد سكان الجنوب والاعتراف بالمساواة بين كل سكان السودان وحقوق المواطنة للجميع ، وإنتهت إلى المطالبة بحق تقرير المصير بما فى ذلك حق الجنوب فى الانفصال مع تأكيد تمسكها بوحدة السودان الطوعية . ورغم أن الحركة فى جوهرها ثورة سكان الجنوب  (65% وثنيون و18% مسلمون و17% مسيحيون ) ، فهناك فى قيادتها عناصر بارزة تنتمى للشمال.
وبالتالى فقد غابت قوى أساسية فى السودان عن هذا الاتفاق ، خاصة القوى السياسية التقليدية والحديثة فى الشمال ( التجمع الوطنى الديمقراطى)والذى يضم فى عضويته الحزب الاتحادى والحزب الشيوعى  وحزب المؤتمر الشعبى بزعامة حسن الترابى المعتقل فى الخرطوم بتهمة التوقيع على مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية ، وحزب الأمة بزعامة الصادق المهدى (إنسحب من التجمع) ، وزعامات جنوبية منشقة أو معارضة للحركة الشعبية.
ويدور إتفاقا مشاكوس حول قضيتين فقط من قضايا الخلاف والصراع فى السودان، هما قضية القوانين الخاصة بالشريعة وقضية حق تقرير المصير للجنوب . فالاتفاق ينص على عدم تطبيق قوانين "الشريعة " فى الجنوب ، ويعطى الولاية ( أو الاقليم ) الذى " لايمارس غالبية سكانه ذلك الدين أو العرف الذى يكون مصدرا للقانون ، الحق فى إصدار قانون يتمشى مع ديانة أو أعراف سكانه " . بل إن استمرار القوانين الحالية فى الشمال والمسماة بقوانين الشريعة- والتى تعارضها الأحزاب الرئيسية فى الشمال بإستثناء حزب الترابى وحزب البشير – تصبح محل نظر طبقا للاتفاق الذى نص على أن  "الحكومة القومية تضع فى إعتبارها التعدد الدينى والثقافى للسودانيين فى كل قوانينها ". ويعطى الاتفاق الجنوب – بعد 6 سنوات – حق التصويت فى استفتاء تشرف عليه المؤسسات الدولية ليختار السكان بين الوحدة والانفصال.
ورغم أهمية القضيتين فهناك قضايا أخرى هامة غائبة عن الاتفاق ،وهناك غموض فى بعض نصوصه قد تفتح الباب لمزيد من الخلافات . مثلا هناك خلاف حول تحديد الحدود الجغرافية للجنوب الذى سيشارك فى الاستفتاء حول الوحدة والانفصال . فحكومة البشير تتمسك بأن يتم حق تقرير المصير فى الجنوب طبقا لحدوده عند الاستقلال عام 1956 كما قررته القوانين الصادرة فى عهد الاحتلال البريطانى ، بينما تمد الحركة الشعبية حق تقرير المصير من الجنوب إلى النيل الأزرق وجبال النوبة ومنطقة ابين . ويمتد الخلاف إلى معالجة قضية وجود جيشين ، جيش الحركة الشعبية فى الجنوب والجيش القومى . فالحركة – طبقا لياسر عرمان الناطق باسمها " لاترى فى الجيش السودانى الحالى جيشا قوميا وخصوصا فى عهد حكومة الانقاذ ( حكومة البشير ) وتعتبره ـ بحق ـ جيشا حزبيا يمثل جناحا من الجبهة الاسلامية هو حزب المؤتمر الوطنى الحاكم " وتطالب الحركة الشعبية بحكومة " قومية ذات قاعدة عريضة تضم كل القوى السياسية ، وتضمن التحول الديمقراطى والاجماع الوطنى الشامل حول الاتفاق ".. وبمؤتمر دستورى يضمن توسيع المشاركة ومراجعة الترتيبات الدستورية " لأن المؤتمر يضم قوى المجتمع المدنى ومشاركة أوسع لأقاليم السودان". وهناك قضايا تقاسم السلطة وتقاسم الثروة وإنشاء هياكل الحكم والترتيبات الأمنية والعسكرية . وتحتل قضية عائدات النفط مكانا بارزا فى القضايا المؤجلة فالحركة الشعبية تطالب بنسبة 50% من عائدات النفط حين تحدثت حكومة البشير عن نسبة لاتتجاوز 30% . كما تطالب الحركة بالاشتراك فى الحكومة القومية فى الخرطوم وتولى وزارات رئيسية مثل الدفاع والمال والخارجية ، وتخفيض عدد القوات المسلحة الحكومية المتواجدة فى الجنوب إلى الوضع الذى كانت عليه قبل عام 1985 ، وهو مايعنى سحب 70% من الجيش فى الجنوب.
وهذه القضايا بالغة الحساسية طرحت على الجولات التالية من المحادثات ، بالاضافة لخطة إعادة إعمار المناطق التى دمرتها الحرب الأهلية ، ووقف إطلاق النار والفترة الانتقالية ، وإزالة الغموض من بعض نصوص إتفاق " مشاكوس".
ويرى البعض أن هذه الملاحظات وكون الاتفاق جزئيا غير كامل لا تنال من أهمية الاتفاق الذى يمثل اختراقا حقيقيا لحالة الحرب الأهلية التى أغرقت السودان كله فى دوامة العنف والفقر والجوع ." وقد لاترقى إتفاقية الإطار المبرمة فى نيروبى بين حكومة السودان وحركة قرنق إلى مايصبو إليه الشعب السدوانى . وقد تكون مليئة بالثغرات والمنحنيات المظلمة التى تكمن فيها مفاجآت غير سارة . ولكنها بالقطع لن تكون أسوأ من استمرار نزيف الدم وإهدار الموارد وإرهاق الأعصاب بلا طائل " كما يقول عديد من السودانيين.
بينما الموقف العربى اعتبر الاتفاق مؤامرة أمريكية إسرائيلية لتقسيم السودان وتهديد أمن مصر القومى وحرمانها من بعض حقها فى مياه النيل . واتهم البعض " جون قرنق" بأنه مجرد عميل للصهيونية وللولايات المتحدة ، وان اتفاق مشاكوس سيؤدى بالضرورة إلى انفصال الجنوب.



#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقرير السياسى الجديد لحزب التجمع يتهم حكومة مصر بالفساد وا ...
- شباب مصر يسخر من حكومتة ويطرد بوش وشارون من غرفة الدردشة
- سيدى رئيس الجمهورية
- يهاجم سياسات الرئيس مبارك والحكومة والامن حزب التجمع يسارى ...
- القطار مليان امن دولة ومخابرات
- محمد حسنى مبارك : احسن رئيس جمهورية !
- سلمولى على الثورة
- اعلان مهم شركة الكوسة للصناعات الغزائية 12 شارع مجلس الشعب ...


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالوهاب خضر - الجزء الثانى من تقرير الحزب:: حزب التجمع يكشف المخططات الامريكية والاسرائيلية والراسمالية المتوحشة ويضع خطة للمواجهة